الفشل الذكي
يتمثل التحول الرقمي في دمج التقنية الرقمية في جميع مجالات الأعمال والأنشطة التجارية، ما يؤدي إلى تغيير جذري في طريقة الإدارة وتقديم قيمة للعملاء. وهو بطبيعة الحال تغير ثقافي يتطلب من المؤسسات مجابهة تحديات الوضع الراهن وإجراء التجارب وتقبل الفشل في بعض الأحيان والبناء من جديد. لكن كيف يكون الفشل ذكيا؟ يتحدث بعض رجال الأعمال في وادي السيليكون عن الفشل السريع، في إشارة إلى أن فشل المبادرة أو الفكرة أو التجربة سريعا يمثل حفظا للجهد والوقت والتكاليف. وفي حقيقة الأمر، أن الشيء الأكثر أهمية هو عدم الفشل بسرعة لكن بطريقة ذكية. كيف يكون الفشل ذكيا؟ عندما تفشل المبادرة أو الفكرة، فهذا يعني أنها قد اختبرت لكن لم تنجح. ومن الواجب أن تتعلم المنظمة من الاختبار الفاشل، وكذلك توثق أسباب الفشل والدروس المستفادة لتغيير استراتيجية المنظمة كتغذية رجعية. وكي يكون الفشل ذكيا، يجب مشاركة ما تعلمته مع الآخرين داخل المنظمة، وهذا ينقصنا بشكل خاص داخل المنظمات والشركات، ولذلك تعاني الشركات متعددة الأطراف صعوبة نقل المعرفة بين أرجائها. وما يتم تعلمه في تجربة أو مبادرة في قسم أو إدارة داخل الشركة، فمن المحتمل ارتكاب الخطأ نفسه في مكان آخر من قبل شخص آخر. وكي يكون الفشل ذكيا، يتبادر إلى الذهن أهمية الفشل في أقرب وقت ممكن وبأقل تكلفة. وفي هذا السياق اشتهر بيب روث، وهو لاعب بيسبول أمريكي في عشرينيات القرن الماضي، ببراعته في تسديد الضربات القوية. وتكمن رؤية روث في مقولته الشهيرة "كل ضربة تقربني من (الهوم رن) التالية"، والهوم رن (Home Run) هي تمكن الضارب من ضرب الكرة خارج حاجز الملعب. وكأنه يرمز إلى فشله في كل ضربة في سبيل الوصول إلى هدف نهائي بشكل ذكي.
وبالطبع لا نريد أن تلتصق أسماؤنا بالفشل إذ يحاول البعض إخفاءها أو التقليل من شأنها وقد تكون جزءا من ثقافتنا. ويوجد ميل طبعي إلى عدم الرغبة في الظهور أو الارتباط بمشروع فاشل. بل يريد الموظفون أو المبدعون أن تنجح الأشياء التي هم جزء منها ويتعرف عليها أقرانهم. هل نحتاج حقا إلى تعلم التخطيط للفشل؟ الأمر الذي قد يبدو كأنه فكرة متهورة ودائما ما نسمع من يخطط للفشل فقد فشل في التخطيط وهذا ليس محور القصيد هنا. بكل تأكيد لا نريد أن نفشل في مجمل الأفكار أو الابتكار أو المبادرات الرقمية، لكننا في الواقع بحاجة إلى معرفة مدى الاستعداد لتقبل الفشل، وكيف ستبدو عملية الفشل على المنظمة؟ ومتى نتخذ هذا القرار عندما نطلق رصاصة الرحمة على الفكرة أو المبادرة؟ فكرت مجموعة تاتا (Tata) الهندية، ولديها عديد من الشركات في صناعات متعددة، في الاحتفال بنجاحاتهم في منظومة الابتكار عبر جوائز سنوية، وكذلك جائزة للفشل الذكي، لقد أضيفت جائزة سنوية عن الفشل الذكي حيث تستطيع أي شركة في الأعمال التجارية تقديم مشروع أو ابتكار (لم ينجح) سعيا للحصول على الجائزة. ورغم صعوبته منطقيا في البداية حيث تقدم ثلاثة فقط. لكن بعد خمسة أعوام، كان لديهم أكثر من 200 طلب للحصول على هذه الجائزة. الأمر الذي دعا سونيل سينها الرئيس التنفيذي لشركة تاتا لخدمات إدارة الجودة أن يصرح بقوله: "نريد أن يتحلى موظفونا بالجرأة وألا يخافوا من الفشل".