تلقي صدمة كورونا ماليا «2»

خلال الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2020، بلغ العجز 184 مليار ريال، تحقق نحو ثلاثة أخماس من قيمة العجز في الربع الثاني، وهو الربع الذي مثل أوج الصدمة التي جلبتها جائحة كوفيد - 19. ولمجابهة الصلف المالي للتحدي، لجأت الخزانة العامة لاستخدام متدرج للأدوات، وقد أثبتت بذلك الاستخدام امتلاكها ليس فقط لفسحة مالية واسعة استخدمتها بقدر كبير من التؤدة، بل كذلك تعدد الأدوات المتاحة أثبت من خلال الممارسة أن الاستقرار المالي يرتكز إلى مرونة resilience تؤتي أكلها وقت الأزمات، حيث نلاحظ أن تمويل العجز في الربع الأول قبل قدوم كورونا لم يمس الاحتياطي بل اعتمد على الدين داخليا وخارجيا، أما بعد قدوم كورونا، فقد وصل إلى أوجه في النصف الثاني لعام 2020، فقد اتخذت احترازات اقتصادية واسعة وأطلقت حزم من مبادرات تخفيفية قوامها 180 مليار ريال (نحو 7.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي)، ونجد انعكاسا بتصاعد العجز في هذ الربع، حيث تجسدت فيه الضربة المزدوجة لإيرادات الخزينة، تراجع الإيرادات النفطية والإيرادات غير النفطية في آن معا، حيث مول عجز الربع الثالث بواقع نحو 49 مليار ريال من الاحتياطيات الحكومية و56 مليار ريال من القروض الداخلية والخارجية.
وعند النظر إلى الفسحة المتاحة أمام الاقتصاد السعودي لتمويل العجز، حتى في حال اجتاحت العالم موجة ثانية من الجائحة، نجدها ملائمة، أخذا في الحسبان أن دول مجموعة العشرين ولا سيما الولايات المتحدة والصين والمملكة المتحدة توسعت في الاستدانة لتغطية متطلبات التصدي للجائحة، بما يجعل عمليا الحديث عن حد 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي مؤشرا قد تم التغاضي عنه من قبل عديد من الدول المتقدمة اقتصاديا. ولا يعني أن هذه دعوة لمزيد من الدين العام، بل يبين أن التصدي للجائحة ما كان ممكنا عمليا بالاعتماد على الموارد الذاتية تحت أي ظرف، بغض النظر عما تمتلكه الدولة من أموال واحتياطيات، لأسباب متعددة يأتي في مقدمتها أن ليس بوسع أحد التوقع بأي قدر من الموثوقية ما المدى الزمني الذي ستستغرقه الجائحة حتى تنجلي، وكم من الوقت سيحتاج إليه الاقتصاد العالمي والاقتصادات الوطنية حتى تعاود النمو بعد أن تستوعب وتتأقلم مع الواقع الجديد. ومن هذا المنطلق يكون لزاما على الدول أن توظف "فسحتها المالية" باعتبار أن تلك الفسحة هي "ماص الصدمات" الذي يستخدمه ليس كرافعة للاقتصاد بل "رئة" إضافية تمنح الاقتصاد مرونة. هذا مصدر من مصادر القوة أثبتت السعودية أنها تمتلكه وتوظفه بحصافة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي