قدوات التوطين

ارتفاع معدل التوطين في منشآت القطاع الخاص من الأخبار المحفزة في هذا الملف الاستراتيجي اقتصاديا واجتماعيا. الارتفاع الذي أعلنه المرصد الوطني للعمل التابع لصندوق تنمية الموارد البشرية قليل، لكنه ارتفاع متواصل، فقد ارتفع معدل التوطين في منشآت القطاع الخاص خلال الربع الثالث من العام الجاري إلى 21.54 في المائة، مقارنة بـ20.40 في المائة من الربع نفسه من 2019، و19.43 في المائة في 2018، و17.08 في المائة في 2017، وهذا ينطبق عليه المثل "قليل دائم خير من كثير زائل". نتحدث عن معدل، أي أن هناك منشآت قد يكون التوطين فيها عاليا جدا، وأخرى منخفض جدا، والواضح أن الأخيرة هي الغالبة، لأن المعدل منخفض نسبيا عن طموحنا جميعا.
انظر من زاوية أخرى، هي زاوية القطاعات الأكثر توطينا، القطاعات التي يمكن القول، إنها تمثل القدوة التي نتمنى أن يسعى الجميع إلى الاقتداء بها، مثل القطاع المالي ممثلا في قطاع المصارف أولا الذي يملك اليوم أعلى معدلات التوطين، ثم قطاعات أخرى تحذو حذوها مثل قطاعي التأمين والتمويل.
نلحظ أنه بجهود حكومية، وباستجابة من قطاعات أو شركات معينة كـ"سابك" و"الاتصالات" وبالطبع المصارف السعودية وغيرها من العمالقة في السوق، ارتفعت نسب التوطين على مر الأعوام إلى درجات كبيرة يبدو لي أنها من يجعل المعدل متوازنا مع ضعف التوطين في قطاعات وشركات أخرى.
أعتقد أن من يوطن بنسب تفوق المطلوب منه نظاميا بكثير هو يمارس جزءا أو نوعا من المسؤولية الاجتماعية، خاصة إذا كان يوفر بيئة عمل مميزة، ومسارات مهنية واضحة، ومبادرات كثيرة لا تطول الموظف فحسب، بل تطول أسرته ومجتمعه الصغير، وممن يؤهل منسوبيه وقياداته باستمرار، ويمكن تخمين القطاع أو الشركة الأنجح في ذلك من خلال القيادات الوطنية التي تتخرج منها لتسنم القيادة في القطاعين الحكومي والخاص في عدة مجالات والشواهد كثيرة.
أحسب أن التركيز قطاعيا أكثر فاعلية، وأرى في خطوتي التوطين لقطاعي تقنية المعلومات والوظائف الهندسية - كمثالين - بوادر نجاح في تحقيق الأهداف بعيدة المدى وصولا إلى جعل هذه القطاعات لا تنظر إلى النسبة المفروضة عليها قدر فخرها حينذاك بأنها تجاوزت ذلك إلى ما هو أفضل وأعمق، وحققت جزءا من مسؤوليتها الوطنية، والاجتماعية.
توفير بيانات دقيقة وموثوقة كالتي يصدرها المرصد الوطني ستساعد على تجاوز تحديات سوق العمل، وهي تحديات كثيرة وكبيرة نتمنى أن نسعد كل ربع بقراءة أرقام تقول، إننا نتعامل معها كأولوية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي