Author

مجرم غير متواطئ

|
نسمع في قصص السرقة والاحتيال عن المجرم المتواطئ. يشارك المجرم المتواطئ في الجريمة بالنية والفعل، وقد تختلف أو تتشابه أدواره مع المجرم الآخر الذي يشاركه في الجرم. وهناك من لا يتواطأ، لكنه يعد كذلك مجرما في نظر القانون بسبب مشاركته في الجرم دون أن يعرف. حتى لو شارك هذا الذي لم يتواطأ سهوا أو جهلا في الجريمة أو سمح لها بالحدوث، فيعد مجرما ويدخل في زمرة المحكوم عليهم، وينال حكما يقترب من الحكم الذي وقع عليهم. ومثال ذلك، الذي يسمح بسبب تقصيره بحدوث السرقة، كالحارس المؤتمن الذي يغفل تقصيرا عما اؤتمن عليه، أو المدير المسؤول الذي لا يقوم بمسؤوليته كما يجب.
لو نظرنا إلى الحالات التي يمكن أن يتحول فيها الناس العاديون حتى الطيبون إلى مجرمين يحاسبهم ويعاقبهم القانون، لوجدناها كثيرة ومتنوعة. يشترك أصحاب هذه الحالات في بعض الصفات، كالجهل والغرور والإهمال وربما حازوا كل هذه الصفات معا. يقدم هؤلاء، رغم طيبتهم، على ما يجهلون عواقبه. مثل التاجر الذي يعزم على صفقة وهو - جهلا منه -
لا يستطيع الالتزام بها. وهذه القصص كثيرة، تجدهم يواجهون القضاء والخصوم لعجزهم عن تنفيذ ما التزموا به من متطلبات وأعمال لا يستطيعون الوفاء بها، أو تجد منهم من حاول تمويل أعماله بسندات لأمر لا يعرف نظاميتها أو نظامية المستفيد من تمويله. تماما مثل الذي يعجز لضعفه أو ضعف أعماله عن الاستفادة من قنوات التمويل النظامية ويذهب ليحصل على التمويل بشراء وبيع بضاعة أو سيارات من شخص في الشارع يعمل بلا ترخيص ويوقع التزاما كبيرا على نفسه، يودعه في نهاية الأمر في السجن.
وهناك من يجرم بتقصيره المهني، وهم كثر، سواء نظرت إلى طبيب مغرور أو مهندس مهمل أو محاسب متقاعس، فالأول يقتل مريضا والثاني يسقط بناية والثالث يسمح للملايين بأن تختفي. إذا انحرف أي منهم عن أداء عمله كما يجب، عن القيام بالحد الأدنى من أدواره المهنية، أو اتخاذ العناية اللازمة الواجبة حسب طبيعة عمله، فهو مجرم مخالف للقانون المفروض عليه، وسيتحمل الآثار التي نتجت عن أفعاله، وربما خضع للمحاسبة بأكثر من قانون ونظام.
من العجيب، أن معظم التنظيمات والترتيبات، سواء التي تكون من الجهات الإشرافية أو داخل مقر العمل، تكون مصممة لإدارة مخاطر الخسارة والاحتيال والخطأ وعدم الالتزام بالأنظمة والتعليمات. وهذا يعني أن هناك دائما من يسن ويجدد قواعد العمل، وهناك من يؤدي، وهناك من يراقب ويراجع. حتى إنك تجد في المستشفيات إدارة للجودة ومراجعات مستمرة من أصحاب الخبرة، وستجد في أي بناية يتم بناؤها مصمما ومخططا ومشرفا ومعماريا ومقاولا منفذا، يبني هؤلاء أعمالهم بطريقة منسقة مرتبة تهدف إلى توزيع الأدوار بدقة، وتحرص على تأكد الدور الرقابي والإشرافي لكل مشروع. حتى في المنظومات الإدارية، ستسمع بالحوكمة والضوابط والرقابة وتوزيع الأدوار ومراجعة الأفعال. ومع كل ذلك، ستجد كثيرا من الأعمال المهمة التي تفشل في أداء أدوارها.
ينخدع هذا النوع من المجرمين بما هو أدهى من تقصيرهم في أداء أدوارهم. كثير من هذه الجرائم لا يسلط عليها الضوء. هناك ما لا يكتشف ولا يعرف، وهناك ما يكتشف ويختفي بسرعة وينسى بين الأوراق، أو تتأخر أدوات الرقابة في التعامل معه. فيحصل الاطمئنان الخطير الذي يجعل الأخطاء تتكرر والآثار تتعاظم، وهذا يفاقم من التقصير وآثاره، ويعظم من الجرم بتكراره. وإذا حصلت المفاجأة وكشفت الأوراق وتبينت المخالفة، لن تخفف العقوبة بسبب حسن النية. عندما يحدث ذلك، لن يبحث من يطبق القانون عن المتواطئين بالجرم، بل سيكون البحث عن المتخاذلين بالإهمال والمتشاركين بالتقصير، وستكون معايير الأداء وممارسات العمل ومتطلبات الالتزام، هي المرجع.
إنشرها