الجدوى الاقتصادية للنخيل في السعودية

ترفع المملكة شعارا رائعا ينبثق من البيئة التي نشأت وترعرعت فيها هذه البلاد المباركة، والشعار هو عبارة عن سيفين عربيين منحنيين متقاطعين تعلوهما نخلة تعبر عن الرخاء والخير، فبينما يلوح السيفان بالعدل والقوة والمنعة، فإن النخلة تعبر عن الغذاء والرخاء والخير، وقد نصت المادة الرابعة من النظام الأساسي للحكم على أن يكون هذا الشعار هو شعار المملكة الذي يؤكد أن الرخاء لا يتحقق إلا بتطبيق العدل.
ويعود تاريخ النخلة في شبه الجزيرة العربية إلى أكثر من خمسة آلاف عام، وكانت النخلة هي أولى النباتات التي عاشت وترعرعت في حضن الإنسان العربي القديم، ويومذاك قدمت هذه الثمرة للبشرية، وما زالت تقدم خدمات جليلة حتى تحقق على يديها كثير من انتصارات قوى الإنسان على قوى الطبيعة القاسية.
ولا شك أن السعوديين لهم مع النخلة علاقات وطنية عميقة، فالنخلة ـ كما أشرنا ـ هي شعار المملكة مع سيفين من سيوف الملك عبدالعزيز المسلولة، وإضافة إلى ذلك فإن تاريخنا الزراعي يؤكد أن للنخلة في حياة الإنسان السعودي مكانة تاريخية أثيرة، فهي الغذاء، وهي الواحة الجميلة، وهي الجمال الأخاذ الذي نزين به بيوتنا وشوارعنا وصواليننا، وقبل ذلك وبعده هي التاريخ الأزلي القديم والتاريخ المعاصر الوثير، وتاريخ المستقبل الوفير.
إن الإنسان السعودي ترعرع وكبر مع النخيل وارتزق وتغذى من الطرح المثمر الذي يطرحه النخيل، وصدق الله - سبحانه وتعالى - القائل في محكم كتابه العزيز "والنخل باسقات لها طلع نضيد"، ومعناها الباسقات الطوال التي يطول نفعها وترتفع إلى السماء حتى تبلغ مبلغا لا يبلغه كثير من الأشجار، فتخرج من الطلع النضيد في قنانها ما هو رزق للعباد قوتا وأدما وفاكهة يأكلون منه ويدخرون ويبيعون ويستثمرون.
وفي ذلك إشارة إلى القدرة الإلهية المبدعة التي تتجلي في خلق النخلة الباسقة،‏ بهذا الطول الفاره‏، ما جعل من النخل مضرب المثل في القرآن الكريم الذي ذكره في 20 موضعا‏، وفضله دوما على غيره من أنواع الزروع‏ والفاكهة‏ والثمار. ونستطيع القول إن إمكاناتنا في زراعة النخيل المثمر وغير المثمر مبشرة، ومرشحة كي تضع المملكة في مقدمة الدول المنتجة والمصدرة للتمر ذي الجودة العالية والثمار اليانعة اللذيذة.
ونؤكد أن منطقة القصيم تتصدر المدن السعودية في إنتاج التمور بكل أنواعها وأشكالها، وفيها كثير من المساحات الشاسعة التي تنتج أنواعا كثيرة من التمور القصيمية ذات الجودة العالية والفريدة في طعمها ونوعها، كما أن منطقة المدينة المنورة تتميز بإنتاج أنواع أخرى من التمور الفريدة التي تتصل بتاريخ الدولة المحمدية الإسلامية المباركة، وأكثر من هذا فإن منطقة الأحساء تحتضن في أحشائها أنواعا من النخيل الفريد وتتميز بإنتاج أنواع أخرى من التمور التي تميز هذه المنطقة عن كل المناطق الأخرى، وكذلك منطقة الباحة غنية وثرية بأنواع التمور وأحلاها وأطلاها.
ولأن التمور في المملكة تتوزع في مناطق مختلفة، فإن هذا الانتشار يعطيها فرصا اقتصادية أفضل، ولذلك فإن التمور بكل أصنافها يجب أن تكون موردا من الموارد الرئيسة لبلادنا، ولا شك أن إمكاناتنا الطبيعية تؤكد أننا مرشحون كي نكون من دول المقدمة في إنتاج وتصدير أفخر وأفخم أنواع التمور على مستوى العالم.
والمؤسف أنه رغم كل هذه المزايا التي نتميز بها على دول العالم، فإننا في المملكة لم نحتفل ولم نحتف بالنخلة رغم أنها شعارنا وغذاؤنا، ولم نخصص يوما في العام للاحتفال بالنخلة السعودية الباسقة، ولم نجدد بيعتنا لها، ونعيد هيكلتها، ونقنن لقاحها، ونسعى إلى تجديدها وإعادة تثميرها، ولذلك فإنني أهيب بوزارة البيئة والمياه والزراعة أن تحدد يوما في العام ليسمى باسم يوم النخلة. ونلاحظ أن الولايات المتحدة لم تعرف النخلة إلا منذ قرن ونصف القرن تقريبا، حيث قام باحثون أمريكيون بشرائها ونقلها من البلاد العربية واستزراعها في العالم الجديد، ثم العكوف على تحسين سلالاتها وحمايتها من الآفات بشبكة من الأبحاث العلمية التي تحافظ عليها وتجود إنتاجها وتفتح أسواقا لها حتى أصبحت أمريكا واحدة من أهم الدول المنتجة والمصدرة للتمور على مستوى العالم.
وإذا عدنا إلى النخيل في المناطق السعودية الأربع المدينة المنورة، والقصيم، والأحساء، والباحة نلاحظ أن هناك تحسنا ملحوظا طرأ على زراعة النخيل وعلى تحسينه وتجهيزه وتغليفه وأخذ طابعا ومردودا اقتصاديا يمكن تطويره لدعم التنوع والنشاط التجاري في السعودية، ومن هذا المنطلق بشكل يعطينا الحق في المطالبة بتعيين يوم في العام كي نحتفل فيه بعيد النخلة السعودية كمنتج وطني قديم وتقليدي مهم ومن النشاطات التجارية المعتبرة، وأتمنى أن تتبنى وزارة البيئة والمياه والزراعة هذه المهمة وتعلن عن اليوم الذي تراه مناسبا كي نحتفي ونحتفل بالنخلة العزيزة على قلوبنا ونفوسنا، ونؤكد مرة أخرى أن السعوديين لهم مع النخلة علاقات وطنية عميقة، ولهم مع النخلة عشرة وحياة تمتد لأكثر من خمسة آلاف عام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي