راتبها لأخيها الصغير
كان حديث عواد العواد رئيس هيئة حقوق الإنسان، في لقائه بكتاب الرأي، مبهجا جدا، ومحزنا جدا. مبهج بكمية المصارحة والشفافية ونوعية العمل في واحد من أهم الملفات محليا ودوليا، ومحزن من القصص والقضايا، التي مرت بالهيئة ولم يكن لها أن تمر لو كانت ثقافة حقوق الإنسان أكثر انتشارا لدى الناس ولدى بعض الجهات.
العنوان أعلاه لقصة قديمة نسبيا، لكنها وردت إلى الهيئة لحلها، ومختصر القصة أن أحد الآباء اشترط على زوج ابنته في عقد النكاح أن يكون راتبها من وظيفتها لأخيها الصغير، فوافق العريس في حينه حياء أو اكتفاء، لكن بمرور الأعوام وجدت الأسرة نفسها مظلومة بهذا الشرط، فلجأت إلى هيئة حقوق الإنسان.
لو كان كاتب عقد النكاح في حينه يعرف معنى حقوق الإنسان، لما أقر هذا الشرط، لكنها الثقافة التي كانت سائدة - ولا تزال لنكن واضحين - حول مال المرأة واستقلاليتها، وانتفاع من يعدونه خارج "ذكور" الأسرة من مالها أو ميراثها.
الإسلام شأنه شأن بقية الأديان، سبقت تعاليمه وروحه الهيئات العالمية والأممية كلها في رسم أبرز التشريعات والتعاليم الملزمة الدافعة إلى تحقيق خيرية البشر وعلاقاتهم ببعضهم بعضا، لكن الظرفية الزمانية والمكانية غيرت كثيرا من الحالات الحضارية والثقافية لبعض الأمم، فتقدمت في هذا الملف، ولبعضها الآخر في الاتجاه المعاكس لتتأخر فيه.
نعيش اليوم تحولات نسعى إلى أن تكون جذرية على أكثر من صعيد، ولأننا جزء من عالم يضع بعض "نواميسه" ومفاهيمه باتفاق الجميع، وجدنا أنه بالإمكان تحسين كثير من الأعراف، فضلا عن القوانين، لنصبح جزءا فاعلا في هذا العالم، ولنكون أقرب إلى إدراك أخطاء سابقة معظمها "اجتهادية"، لنقارب حلولها بما لا يتعارض مع ديننا، ولا يتصادم مع ثقافتنا، لكن يحسن بعض مناحيها المفاهيمية تجاه علاقات الإنسان بالإنسان، والإنسان بالأنظمة والقوانين، وهذه الأنظمة بالإنسان. الملفات الدولية التي تعمل عليها الهيئة، كبيرة وبعضها معقد، وربما - وهذا انطباعي - تكون الملفات الداخلية أقل حجما أو تعقيدا، لكن المؤكد أن "حلحلة" بعض المفاهيم وتطوير بعض الأنظمة محليا، سيساعد الهيئة كثيرا على معركتها الدولية التي لا تخوضها دوما بشروط منصفة، أو محكمين ومراقبين محايدين يريدون الخير للجميع دون "أجندات".
في موضوع حقوق الإنسان، نحتاج إلى استعداد كاف لصناعة وترسيخ الرسائل الهادفة إلى توعية الأجيال، ومحاولة تصحيح مفاهيم البعض، والتأكيد دوما على اعتدادنا بديننا وثقافتنا، خاصة أننا بذلنا ونبذل كثيرا من الجهد لإزالة ما شابهما من شوائب ليست منهما.