Author

العلاقة التجارية بين إيران وتركيا

|
مستشار اقتصادي
من فترة لأخرى لا بد من مراجعة جوانب من الأوضاع الاقتصادية في المنطقة، أحد هذه الجوانب العلاقة التجارية بين بعض الدول المهمة في المنطقة، مثل العلاقة التجارية بين إيران وتركيا. ميزان المدفوعات التجاري كان لمصلحة إيران حتى جاءت أزمة كوفيد - 19 التي يبدو أن تركيا استغلتها لتصحيح ميزان المدفوعات من ناحية، وتقليل الاعتماد على الغاز الإيراني من ناحية أخرى. حجم الصادرات الإيرانية لتركيا بدأ في الانخفاض مع إرجاع الحظر الأمريكي رغم الترخيص لتركيا بالاستيراد من إيران في أول ستة أشهر. في الأشهر الأربعة الأولى من 2020 انخفضت الصادرات الإيرانية 75 في المائة مقارنة بالفترة المماثلة 2019 لتصل إلى ثلاثة مليارات دولار. توقعت الغرفة التجارية في إيران أن يكون الفائض لمصلحة تركيا بعد أن كان لإيران.
تحاول تركيا تقليل الاعتماد على إيران وروسيا كمصادرين أساسيين للغاز والنفط، لذلك استغلت إيران تفجير أنبوب الغاز في تركيا من قبل الأكراد في آذار (مارس) 2020 واتهمت تركيا بالتباطؤ في إصلاحه، إلى حد أن وزير النفط الإيراني عرض إصلاحه - وطبقا للوزير - الذي لن يستغرق إلا عدة أيام فقط، لذلك انخفضت واردات تركيا من الغاز 33 في المائة، واختارت أمريكا وقطر كمصادرين بديلين، فلم تعد تركيا تعتمد إلا على 20 في المائة من استهلاكها من الواردات الإيرانية. الاتفاق التجاري كان يطمح إلى رفع التجارة بين الدولتين إلى 30 مليار دولار، حيث تزيد إيران من صادراتها من الغاز والنفط والكيماويات، بينما تزيد تركيا صادراتها من المصنوعات والنسيج. على أثر انخفاض الليرة ومنح الجنسية التركية للمستثمرين، أصبحت إيران أحد مصادر الاستثمارات الأجنبية في العقارات التركية وبعض الاستثمارات الرأسمالية، كما أصبحت ثالث مستثمر أجنبي بعد ألمانيا وهولندا، والإيرانيون أعلى من حصل على الجنسية التركية على أثر قانون الاستثمار الجديد.
تاريخيا تركيا تقوم بدور مهم لإنقاذ الاقتصاد الإيراني والنظام المالي، لكن بسبب الوقود كان ميزان المدفوعات دائما لمصلحة إيران، لكن يبدو أن مصادر الغاز وانخفاض أسعاره وانخفاض الليرة وضعف الاقتصاد التركي، ورغبة رؤوس الأموال الإيرانية في الهروب، عملت على تغير مهم في نمط العلاقة التجارية بين الدولتين ليصبح لمصلحة تركيا. ربما يدفع التطور الجديد في التجارة في علاقة اقتصادية وسياسية مختلفة، خاصة حين ترتفع العلاقات التجارية بين شرق آسيا وأوروبا بعد تعافي واستئناف الحراك الاقتصادي والتجاري العالمي. يبدو أن تركيا حققت نجاحا تجاريا على حساب إيران، واستغلت ظروف إيران بكفاءة، لكن هذا أيضا مرهون بأداء الاقتصاد التركي الضعيف، فكلاهما في انتظار انفراج سياسي واقتصادي. كما تشترك الدولتان في انخفاض حاد في العملة "انخفضت الليرة التركية بنحو 22 في المائة مقابل الدولار لهذا العام فقط، بينما انخفض الريال الإيراني بنحو 30 في المائة منذ صيف هذا العام فقط" وارتفاع التضخم والبطالة، ولذلك هناك قوى متناقضة، فمن ناحية هناك حاجة إلى التعاون لتخفيف الأثر الاقتصادي، خاصة بعد الضغوط السياسية على النظامين، ومن ناحية أخرى الضعف الاقتصادي يرفع درجة الحساسية والمصالح الضيقة بين الدولتين إلى حد المنافسة الحمائية.
إنشرها