Author

دورات الاقتصاد والتضخم بعد الهزة

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
ما التوقعات لدورات الاقتصاد التي يعبر عنها أحيانا بدورات الأعمال بعد كارثة كورونا وذهابها؟ عجل الله بذلك وكفانا كل شر. وتبعا ما مستويات التضخم؟
تبدأ الدورة الاقتصادية مع بداية تسارع النشاط الاقتصادي. وتعرف بشكل أكثر علمية بحدوث تغيرات ملموسة في مجموع الناتج المحلي والتوظيف. واستمرار الدورة غالبا بضعة أعوام تنتهي بجمود أو انحدار، أي انكماش. ومن ثم فالدورة لها مرحلتان: توسع وحضيض. وتعرف فترة الحضيض أو الركود إحصائيا بتراجع الناتج المحلي الإجمالي لمدة لا تقل عن نصف عام. من مظاهر الانكماش أو الركود: انخفاض الاستهلاك بشكل ملحوظ - انخفاض الطلب على التوظيف - تباطؤ التضخم أو حتى انحداره إلى السالب - انخفاض الأرباح مع تباطؤ النشاط. كغيرها من أنماط النشاط الاقتصادي، لا توجد دورتان متطابقتان. وليست هناك معادلة يمكن تطبيقها على الاقتصاد، كما تطبق معادلات على حركة الكواكب والنجوم.
لماذا تحدث الدورة؟
كلمة واحدة تلخص الوضع: التقلبات. التقلبات سواء كانت داخلية أو خارجية طبيعية المصدر أو غير طبيعية.
ما طبيعة التقلبات؟ كيف تحدث؟ تختلف الرؤى والمذاهب في الفهم والتفسير.
أمثلة للتقلبات أو ما يجر إلى وقوع التقلبات الاقتصادية: الحروب - الاكتشافات لموارد جديدة - التطورات التقنية.
وقد تحدث التقلبات لتغيرات كبيرة مؤثرة في العرض النقدي والائتمان. وهناك من يربط حدوث التقلبات بتلاعب أو حركات متعمدة مؤثرة في السياسات المالية والنقدية في بعض الدول.
وكل ما سبق مؤثر تأثيرا في حركة التضخم. وتضخم تعني من وجهة علم الاقتصاد وجود أسعار صاعدة للسلع والخدمات. ومن ثم، فإنه يعبر عن عملية الارتفاع المستمر في المستوى العام للأسعار، أو بعبارة مكافئة: الانخفاض المستمر في قيمة النقود. ويعبر إحصائيا عن التضخم بأنه معدل الزيادة في الأسعار خلال فترة زمنية محددة، كالشهر والعام.
نفهم من معنى التضخم أن الارتفاع المؤقت في سعر سلعة ما لا يعد تضخما. كما أن ارتفاع سعر سلعة دون أن يقابله ارتفاع في المستوى العام للأسعار، فإن هذا لا يعد تضخما أيضا. ولا تتحرك كل الأسعار بالاتجاه نفسه أو النسبة نفسها. ومن ثم فإن الأسعار النسبية "نسبة أسعار السلع بعضها إلى بعض" تتغير، على سبيل المثال، بعض السلع ترتفع أسعارها بنسبة أعلى من سلع أخرى.
توقع كيف تتطور أوضاع الاقتصادات ومستويات التضخم فيها كرد فعل للفيروس وتبعاته موضوع بالغ الأهمية، ويشكل تحديا كبيرا للعقول. السبب أن هذه الكارثة ليست حدثا تعودنا عليه بين فترة وأخرى بما يمكن العقول من امتلاك فهم تاريخي جيد لها ولردود الفعل المتوقعة وكيف. ومن جهة أخرى، التوقعات تعتمد على بناء فرضيات. وبقدر ما تحدث الفرضيات تتحقق التوقعات. بناء الفرضيات يتبعه بناء توزيعات مستقبلية للمتغيرات الاقتصادية. ويستفاد من الماضي لفهم تأثير الفرضيات وتطوراتها. لكنها تبقى فرضيات.
وهناك مشكلة أخرى. فهم كيف نحول مسار الفيروس من جهة والتوجهات الصحية لمكافحته من جهة أخرى، إلى متغيرات اقتصادية مؤثرة تقبل القياس الكمي ولو تقريبا. هذا أمر بالغ الصعوبة.
تسبب الفيروس وتبعاته في حدوث تركيبة غير عادية ممكن وصفها بأنها تشويش وتغيير هائل كبير في العرض والطلب. وهذا يجعلها تختلف عن المشوشات المعروفة تقليديا. لكن هل يمكن تحسين فهمنا لها؟ حاول بعض البحوث لعلماء اقتصاد ملاحقة تطور أهم متغيرات الشهور الماضية في الاقتصاد الكلي للدول المدروسة. ثم مقارنته للحركة المتوقعة خلال تلك الفترة لو استخدمت أدوات قياسية. وتمت مقارنات أخذا بعين الاعتبار حركة التضخم، نظرا لأهميته في توضيح مسار الدورات الاقتصادية.
نتيجة المقارنات والتأمل استمرار قدر من العطالة وانخفاض الاستهلاك فترة من الزمن شهور فأكثر حتى مع التعافي من الفيروس. وعودة النشاط التوظيفي والاستهلاك إلى سابق عهدهما يتطلبان وقتا معتبرا بعد التعافي.
ولا شك أن الأزمة تركت وستترك آثارا اقتصادية عميقة تختلف حدتها بين الدول. مشكلات أسواق العمل في الدول على رأس القائمة. وهذا مصدر قلق بالغ القوة. بعض الدول فقدت وظائف في أسابيع أكثر من الوظائف التي أضيفت خلال أعوام. تخفيض ساعات العمل له تأثير كبير في سوق العمل فهو للبعض براتب جزئي.
تساعد الجهود الجماعية على تخفيف حدة الأزمة، وتخفيف حدة ما بعد ذهاب الأزمة. أي تخفيف حدة وقوة الدورة الاقتصادية الحالية، بعد انتهاء الفيروس عجل الله بذهابه.
هل تسهم الجائحة وما بعدها في تغيير عالمنا وتغيير نظام التجارة العالمي لما هو الأصلح للبشر؟ إن من المهم جدا التعاون الدولي في مجالات الإنتاج والشراء وتوزيع الموارد المتعلقة بالفيروس ومكافحته. وتبقى مشكلات في الاستثمار بالبشر والتعليم والصحة والحماية الاجتماعية وتغير المناخ. ومدى جودة التعامل تجاه هذه المشكلات مؤثر أساسي في مسار الدورة الاقتصادية وآثارها.
أمام منظمة التجارة العالمية أعمال كثيرة مطلوب إنجازها لتخفيف تبعات ما بعد الجائحة. لكن المنظمة أصيبت بتصدعات خلال الأعوام الماضية، نتيجة ما يرى أنه توسع مبالغ فيه في العولمة. ولهذا، فإن إصلاح المنظمة والتعامل التجاري بين الدول مفيد في مكافحة الفيروس وتخفيف آثاره الضارة اللاحقة بعد ذهابه. وتبعا تقل حدة أضرار الدورة الاقتصادية. وأمام المملكة فرصة لعمل كل ما يمكن عمله للتأثير في "مجموعة العشرين" لما فيه خير البشرية.
إنشرها