Author

أتمتة السيئ والضعيف والفاسد

|
كان يستعرض مع صديقه آخر صيحات المنازل الذكية، وهو عازم على أتمتة عديد من الأعمال والتطبيقات داخل منزله. يريد تطبيقا يتحكم في التكييف من هاتفه الذكي، ويريد أجهزة إنذار واستشعار لمنع السرقات وأجهزة سلامة وأمان للأطفال، وجهازا يتعرف على أهل المنزل عند الدخول والخروج، ونظاما مركزيا يمكنه من متابعة ذلك وهو خارج المنزل، لكنه نسي أنه ما زال يستخدم الفحم داخل المنزل ضاربا بأساسيات السلامة عرض الحائط. يفتقر منزله للصيانة الدورية إذ دائما ما تتعطل الأجهزة الأساسية ويتأخر في إصلاحها، ويرى آثار تسريبات المياه في جدران دورات منزله ولا يعيرها اهتماما. مثل هذا بالطبع لديه مشكلة أولويات، وجودة العيش في منزله لن تتحسن بتطبيقات المنزل الذكي. مخاطر الحريق والتعطل والاختناق والمرض في هذا المنزل مرتفعة، وتحويل المنزل إلى منزل ذكي لن يحسن من النتائج إن لم يتم إصلاح واقع المنزل أولا وحل مشكلاته الأساسية.
وتماما مثل هذا المنزل نجد كثيرا من الممارسات داخل المنظمات. تتم أتمتة إجراء سيئ لا يعمل بشكل سليم، أو آخر ضعيف لا يقوم بعمله كما يجب، أو إجراء فاسد مضطرب يعمل بشكل يخالف هدفه الأساسي. في مثل هذه الظروف تصبح الأتمتة مجرد لغط وشيء لا يمكن أن يتحقق.
الحديث عن أهمية التحول الرقمي وآخر إبداعات الأتمتة وتقاطعات التقنية مع القيمة لن يتوقف وهو حديث مثير ومهم وحيوي، أحيانا يصبح مثيرا للجدل كالحديث عن الوظائف البائدة والمقبلة أو الاستغراب، إذا ما تحدثنا عن جوانبه المستقبلية وتفكيك أو ولادة صناعات جديدة بالكامل، وكيف أن المستقبل يأتي إلينا بشكل أسرع مما نتوقع. لكن عمليا على أرض الواقع المسألة مختلفة تماما.
سواء تحدثنا عن مفهوم التحول الرقمي بشكله الموسع والشامل أو تحدثنا عن أتمتة مجموعة إجراءات لا ترقى إلى مستوى التحول بشكله المثالي، سنجد أن تحدي التطبيق والممارسة يأتي في المقدمة دائما. تحديات الممارسة ومشكلة التطبيق ترتبط بالفهم والوعي، والإيمان والرغبة الواضحة والمشتركة بين كل الأطراف التي ترتبط بأي عملية تحسينية، وبتقديم الجوهر على المظهر، والقدرة على الوصول إلى العمق المطلوب دون الغرق في التعقيدات أو الدخول في دوامات يصعب الخروج منها، وهذه مسألة تتطلب حذاقة تنظيمية رفيعة.
في سياق الممارسات المرتبطة بالأتمتة على وجه التحديد، تفتقر المنظمات التي تفشل في تحسين ممارساتها للقدرة على المحافظة على محددات النجاح المطلوبة لتحقيق الممارسات بشكلها الفعال لفترة كافية. فالوعي ليس في أفضل حالاته، والجميع ليسوا على وفاق وفهم مشترك، التوقعات مختلفة، ونموذج العمل غير واضح أو لا يعمل بشكله الأفضل الممكن، وهناك من الاضطرابات والتداخلات في طريقة أداء العمل ما يجعل القفز إلى التقنية دون إعادة للتأسيس مجرد هدر وتضييع للموارد. لهذا، يفقد من يعمل على عملية التحسين القدرة على نقل الخطة إلى واقع، أو تحويل الخطوة التحسينية بعد بنائها إلى عمل روتيني مستمر. لهذا، نجد أن هذه المنظمات "الفاشلة" في الممارسات، تجيد الاحتفال بتدشين البوابات الإلكترونية وانطلاقات الأنظمة الداخلية، لكنها تخجل من - وربما لا تعرف - قياس مؤشرات الاستخدام والتفاعل والرضا.
من أهم المهارات الأساسية والبدائية في أي كيان منظم، هي القدرة على الربط بين طريقة أداء العمل وصناعة القيمة المستهدفة في هذا الكيان. وهي ليست بالأمر الجديد بل قلب وجوهر أي منظمة فيها "الكل" يتجاوز مجموع "الأجزاء" التي تعمل بها. وهذا يعني بناء وتجديد نموذج العمل بشكل يلائم هدفه، وفهم الأطراف التي تؤثر في هذا النموذج بشكل جيد وواضح. وهذا متطلب أولي لأي عمل رقمي يحقق تحولا، يحسن شيئا، أو يشكل كل قوام هذا النموذج. يسهل الحديث عن كثير من التطبيقات الرقمية، وطرق الأتمتة، وتقنيات المعالجة المبتكرة في كل مجال، والتحولات الشاملة الكبرى، لكن على أرض الواقع المسألة مختلفة تماما. قل من يصنع لنا مثالا جيدا يستشهد به. قد يكون تحدي التحسين أكبر من تحدي البناء الرقمي الجديد، فالتحسين ينطوي على إدارة التغيير، وسلوكيات قائمة، وتركات تحتاج إلى المعالجة، وهذا لا يدار قطعا بمشروع جانبي يدار كأحد عشرات المشاريع الأخرى في المنظمة.
إنشرها