الحقيقة الزائفة
في هذا الوقت بالذات، وبسبب شبكات التواصل الاجتماعي، أصبح انتشار وتصديق الأخبار الزائفة مشكلة حقيقية تصل إلى أن تصبح ظاهرة. ترد إلينا يوميا، بل في كل ساعة ودقيقة، عشرات الأخبار المرعبة والغريبة والمحبطة، منها السياسي والاقتصادي والعلمي والطبي. نقف حائرين أمامها، لنكتشف بعدها أنها أكاذيب لا أساس لها من الصحة، ويزيد من خطورتها أن مدعي العلم في مختلف المجالات، يتصدرون الساحة.
حلل باحثون من معهد ماساتشوستس في كامبردج، المعلومات على موقع تويتر لمعرفة ما الذي يحظى بإقبال أكثر، هل الخبر الحقيقي أم المزيف؟ كما فحصوا 126 ألف منشور من الأخبار المتنازع عليها، التي غرد بها ثلاثة ملايين مستخدم خلال فترة من الزمن، ووجدوا أن الأخبار المزيفة تصل إلى أشخاص أكثر، وتنتشر أسرع من الأخبار الدقيقة. ولاحظوا هيمنة الأخبار المزيفة، ما يجعل الناس غير واثقين بوكالات الأنباء، ويفقدهم القدرة على تمييز صحة الخبر من عدمه، حيث يوجد سبعة أشخاص من كل عشرة يخشون من أن الأخبار المزيفة تستخدم "سلاحا"، وأن ما يزيد على 60 في المائة من المستجوبين لا يستطيعون التفريق بثقة بين الأخبار المزيفة والحقيقية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما الذي يدفعنا إلى تصديق الأخبار الزائفة؟
وما السبيل لحماية أنفسنا ومجتمعاتنا منها؟
يعزو البروفيسور مارك وايتمور الأستاذ المساعد في جامعة كينت الأمريكية، السبب إلى ما يسمى "انحياز التصديق"، أي ميل الأشخاص إلى قبول المعلومات، التي تؤكد معتقداتهم السابقة، وتجاهل المعلومات التي تتعارض مع تلك المعتقدات.
لأن المخ - مع الأسف - جاهز لتلقي الأخبار الزائفة التي تنسجم وتتفق مع الرؤى والقناعات الموجودة مسبقا لدى الفرد، وهذا الانحياز يتكون من عمر مبكر، كما هو حال الطفل الذي يتعلم التمييز بين الخيال والواقع، فيميل إلى تقبل الخيال ويبدأ بطرح الأسئلة على أهله، ومن هنا تنشأ صراعات غير مناسبة لمستوى الأطفال النفسي! ومع الوقت يطور الناس آليات التعامل، مثل الانحياز التصديقي، لتجنب الصراعات والقلق!
أما الدكتور ناثان هيفليك المحاضر في جامعة لينكولن في بريطانيا، فيعتقد أن النفس البشرية والانحيازات المعرفية والتعصب الأعمى والشك والشحن العاطفي والمواقف الشخصية والميول المختلفة، كلها تلعب دورا حاسما لدى بعض الأشخاص في نشر الأخبار الزائفة أو تصديقها أو ترويجها وتغييب الحقيقة، وإقناع الناس بنقيضها أهم بكثير لديهم من الحقائق الموضوعية.
وللتقليل من الانجذاب للأخبار المزيفة، علينا أولا تخفيض حدة القلق الذي يجعل الانحياز التأكيدي طريقة سهلة ومريحة لعقولنا، وذلك بالكوميديا والفكاهة ومنح وقت كاف لسماع وجهات النظر الأخرى لتعديل الآراء وجعلها أقل تطرفا!