عهد ياباني جديد ووعود بالاستمرارية

يبدو أن يوشيهيدا سوجا رئيس الحكومة اليابانية الجديد (71 عاما) الذي خلف أخيرا زميله شينزو آبي على رأس الحزب الديمقراطي الحر الحاكم ومجلس الوزراء، بعد قرار آبي المفاجئ بالاستقالة لظروف صحية، عازم على انتهاج نهج سلفه مع بعض التعديلات الهيكلية.
وسوجا الذي شغل وظيفة كبير أمناء مجلس الوزراء منذ عام 2012، وكان مذاك الساعد الأيمن لسلفه ومتحدثا باسمه، شق طريقه نحو الفوز بقيادة البلاد وسط منافسة حامية بحصوله على تأييد 314 عضوا من أعضاء مجلس النواب من أصل 465 نائبا، وحصوله على أصوات 142 عضوا من أعضاء المجلس الاستشاري للبرلمان من أصل 245 عضوا.
ويعد زعيم اليابان الجديد، ابن مزارع الفراولة السابق، في الأوساط السياسية رجلا خبيرا بأوضاع البلاد الداخلية وصاحب علاقات وثيقة بمجتمعات المال والأعمال، وكان من مؤيدي سياسات سلفه، وعرف عنه قدرته الفذة على التعامل مع البيروقراطية الحكومية ووسائل الإعلام. غير أن هذا لا يكفي في بلد مثل اليابان يحتاج فيه القائد إلى تخويل شعبي وليس فقط تخويلا حزبيا لقيادة البلاد. ومن هنا راح المراقبون يتساءلون عما إذا كان الرجل سيدعو إلى انتخابات عامة مبكرة قبل حلول موعدها المقرر في تشرين الأول (أكتوبر) 2021 من أجل أن ينال ثقة الشعب في موقعه الجديد. لكن هذا لا يبدو أنه من أولويات سوجا الآن بسبب الخوف من جائحة كورونا.
أما إذا فعلها، وتمكن من قيادة الحزب الحاكم إلى نصر كاسح، مثلما فعل سلفه عدة مرات، فإنه حينذاك سيحكم اليابان من غير صداع وسيخرس كل الأصوات المنتقدة له، بل سيتيح له ذلك النصر - إن حدث - الشروع في إصلاحات إدارية تطالب بها الجماهير، وإجراء تعيينات جديدة في المناصب الحساسة، بما في ذلك منح مناصب متقدمة لبعض أعضاء حزبه المشاركين أملا في لجمهم والتخلص من مناوراتهم.
ومما لا ريب فيه أن سوجا، المعروف بميله للبراجماتية السياسية، يواجه عديدا من الملفات الداخلية والخارجية التي تحتاج إلى تعامل جدي وسريع. ففي الداخل عليه التخلص سريعا من تداعيات جائحة كورونا المستجد التي أضرت باقتصاد البلاد، وزعزعت ثقة اليابانيين بقدرات القطاع الصحي الحكومي على مواجهة مثل هذه الكارثة، وعليه أيضا إيجاد حل سريع لقضية استضافة اليابان لدورة الألعاب الأولمبية التي تأجلت إلى الصيف المقبل ولا يعرف حتى الآن بصفة مؤكدة عما إذا كانت ستنعقد في موعدها الجديد أم لا. كما تواجهه قضية ارتفاع معدلات الشيخوخة وانخفاض معدلات المواليد الجدد.
أما على الصعيد الخارجي فالتحديات التي يواجهها أعقد بكثير، خصوصا أنه يفتقر إلى خبرات دبلوماسية، وغير معروف كثيرا عند زعماء الدول الكبرى المؤثرة. وتتصدر الملفات الخارجية التي يجب أن يباشرها ملف العلاقات الاقتصادية مع الصين، وملف العلاقات المتوترة مع كوريا الجنوبية، وشبكة علاقات اليابان مع دول الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، فضلا عن القضية المطروحة دائما على بساط البحث وهي تغيير الدستور من أجل استعادة اليابان وجهها العسكري الغائب منذ الحرب العالمية الثانية.
ولا نبالغ لو قلنا: إن القضية الأخيرة ستستأثر باهتمام الزعيم الياباني الجديد مثلما كانت مستأثرة باهتمام سلفه في ضوء قيام بكين بعسكرة بحر الصين الجنوبي في الأعوام الأخيرة، والاعتداء بحريتها على قوارب الصيد اليابانية مرارا، واستمرار النظام الستاليني الحاكم في بيونج يانج بإطلاق صواريخه تجاه اليابان. هذا فضلا عن ضغوط الولايات المتحدة على طوكيو لتقديم إسهامات أمنية في أعالي البحار، وهي الضغوط التي نجحت حتى الآن في قيام البحرية اليابانية بدوريات في مياه الخليج العربي وبحر العرب والمحيط الهندي، وقيام قوات الدفاع الذاتي اليابانية بعمليات إغاثية في جنوب السودان ومناورات في بحر الصين الجنوبي.
من الأمور التي استرعت الانتباه في التشكيلة الوزارية الجديدة، أن سوجا لم يوزر سوى امرأتين، على العكس من سلفيه آبي وكويزومي اللذين عرفا بدعمها النساء وتوزيرهن على أوسع نطاق. وعلي حين أبقى الرجل على توشيميتسو موتيجي وزير الخارجية، وتارو آسو وزير المالية، وشينجيرو كويزومي وزير البيئة في مناصبهم، اختار خليفه كاتسونوبو كاتو وزير الصحة في الحكومة السابقة ليحل محله في وظيفة كبير أمناء مجلس الوزراء، علما أن هذا المنصب هو من المناصب الرفيعة في اليابان.
أما حقيبة الدفاع فقد ذهبت إلى نوبو كيشي الشقيق الأصغر لرئيس الوزراء المستقيل بدلا من تارو كونو، ورغم أن هذه الحقيبة لا تحمل أهمية كبيرة في اليابان، إلا أن إسنادها إلى المذكور الذي يعد من الصقور المؤيدين لإعادة عسكرة البلاد، والمتشددين تجاه الصين بخصوص قضية جزر سينكاكو - دايو المتنازع عليها، والمتحمسين لتوثيق العلاقات مع تايوان، يعني انزعاجا في بكين بقدر ما يبعث على الارتياح في واشنطن، خصوصا أن الرجل يعد تحالف بلاده مع الولايات المتحدة حجر الزاوية في حماية اليابان، ويؤيد احتفاظ الأمريكيين بقاعدتهم في أوكيناو مع تقاسم نفقات تشغيلها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي