«عود وقلبه خضر»
يعمد كثير من الناس في مجتمعنا عندما يرون رجلا كبيرا في السن إلى إطلاق مسمى "العود" عليه، وبالرجوع إلى قواميس اللغة العربية نجد قولهم عود الرجل أي أسن أو شاخ، وعود البعير أي صار عودا. كل ذلك مصطلح لا مشاحة فيه ولا غبار عليه، إنما الذي يبعث على الأسى هو أنهم عندما يرون عودا أي شيخا كبيرا، ولكن يحمل بين جنبيه روح الشباب سرعان ما يقولون عنه "عود وقلبه خضر"، وهي جملة في ظاهرها الجمال ولكن في باطنها شيئا من السخرية أو التنقيص، حيث يفترضون فيمن تقدم به السن أن يحمل قلبا - أشهب - جافا ينتظر ملك الموت في أي لحظة! نعم إن الانسان العاقل يجب أن يزيده مرور الأعوام حكمة ورصانة وطاعة، ولكن ليس بالضرورة أن يودع العاطفة ويصبح قلبه كجلمود صخر حطه السيل من عل! لأن كل مرحلة من مراحل العمر هي هبة ربانية لها طعمها ومذاقها الخاص. فالأعوام مجرد أرقام ليس إلا، فقد تجد شيخا في
الـ70 أو الـ80 وروحه روح الشباب والعكس صحيح فقد تجد شابا في الـ20 أو الـ 30، وقد غلف روحه بطبقة من الكآبة. يقول أحدهم ركبت الطائرة مسافرا وقد اجتاحتني الهموم وقدر أن يكون بجواري شيخ تجاوز الـ70، وكم تمنيت أن تطول الرحلة لأن هذا الرجل المسن استطاع بروحه العالية و"بخفة دمه" أن يذهب عني ما كنت أجده من الضيق والكدر. يقول ومما لفت نظري حسن هندامه ورائحة عطره الزكية التي أهداني منها "توله"! تشير الدراسات إلى أن العاطفة والحب تظل قوية بعد الـ50 وإنما تغلفها العقلانية والواقعية لأن الحب لا يرتبط بمرحلة عمرية محددة. إذا لماذا يشن الهجوم اللاذع على كبار السن بمجرد أن تكون قلوبهم حية نابضة بالحب وعشق الحياة ويوصفون بأقذع الصفات "عود تايه" أو "عجوز تتصابى". إن هذا لمن التعدي على الآخرين لا مبرر له شرعا ولا عقلا. إنني أدعو الجميع رجالا ونساء أن يقتنعوا أن العمر النفسي لا علاقة له بالسن. وأن الإنسان عبارة عن مجموعة من الأحاسيس والمشاعر وله الحق أن يحب ويعشق لآخر رمق في حياته ما دام أنه قد أطر ذلك بلباس التقوى.