جهود محاربة المجاعة في الجائحة «2 من 2»

في حين يشير الناس بأصبع الاتهام إلى الحيوانات المجترة لتأثيرها الكربوني، فإن ثمة قليلا من الأدلة التي تميز بين هذه المؤثرات وفقا لنوع منظومة الإنتاج. ومع هذا، فقد أظهرت دراسة جرت أخيرا في السنغال عن استعمال الأراضي الرعوية ككل أن المنظومات الرعوية يمكن أن تكون عديمة التأثير من حيث الانبعاثات الكربونية. وهناك دراسة أوسع تجرى حاليا في جميع دول الساحل. هذا البحث الذي يموله الاتحاد الأوروبي سيتيح معلومات مفيدة حقا ستساعدنا على أن نأخذ هذه العوامل البيئية في الحسبان عند وضع استراتيجيات رأس المال الحيواني.
في الوقت نفسه، من الضروري الحفاظ على تربية الحيوانات الرعوية لحماية أرزاق الملايين من البشر وصحتهم. ومع هذا، لا ينبغي أن يغيب عن أحد أن دول الساحل واجهت خلال الأعوام الأخيرة تحديات متنامية جعلت الأسر الرعوية أكثر ضعفا. فتنامي انعدام الأمن، وتزايد القيود المتكررة على الحركة، بل ربما إغلاق الحدود خاصة مع أزمة فيروس كورونا أثر بشكل مباشر في حركة الماشية والبشر. وتعددت التداعيات: من تركيزات عالية للحيوانات على الحدود، ما لبثت أن أدت إلى الإفراط في استغلال الموارد وتدهورها، وهزال الحيوانات، وتفشي أمراض الماشية، والصراعات بين الرعاة والمزارعين. وأدى إغلاق الأسواق إلى فقدان مباشر للدخل. إذا كان لهذه الأوضاع أن تستمر أو تتكرر، فإنها يمكن أن تعرض مستقبل الرعي لخطر حقيقي. وبعد تبني إعلان نواكشوط حول الرعي الذي أصدرته بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر والسنغال عام 2013، انطلق المشروع الإقليمي لمساندة الرعي في منطقة الساحل الذي يرمي إلى التصدي المشترك لهذه القيود التي تتجاوز الحدود الوطنية. لنأخذ صحة الحيوان، على سبيل المثال. فتربية حيوانات صحيحة أمر ضروري للإنتاج والإنتاجية، بيد أن الخسائر الناجمة عن مرض الحيوانات تظل مرتفعة في أغلب الدول منخفضة ومتوسطة الدخل. فوجود الأمراض المعدية يمكن أن يبيد القطعان التي تعدم الحماية. والحرص على صحة الحيوان عنصر أساس أيضا يساعد على دخول الأسواق الدولية. وكما هو الحال في صحة الإنسان، فإن مكافحة أمراض الحيوان والوقاية منها تحتاج إلى أنظمة فعالة في حماية صحة الحيوان تفي بالمعايير الدولية. ومن ثم، فقد ركز المشروع الإقليمي لمساندة الرعي في منطقة الساحل على دعم الخدمات البيطرية ومكافحة مرضين رئيسين هما الالتهاب الرئوي البلوري البقري المعدي الذي يعد التطعيم ضده إجباريا للتمكن من نقل الماشية داخل منطقة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس"، وطاعون الحيوانات الصغيرة المجترة الذي يستهدف العالم القضاء عليه بحلول عام 2030. وقد دعم المشروع تطبيق الممارسات الجيدة للتطعيم، بما في ذلك المواصفات الفنية لتوريد التطعيمات، والمسوح المصلية فيما بعد التطعيم، والمراقبة المنهجية لجودة مجموعات اللقاح، ونشر الوعي بين المزارعين، وتدريب الموظفين البيطريين الميدانيين، وصيانة سلاسل التبريد، وإدارة الطعوم وما يترتب عليه من وسم الحيوانات. كما ساعد المشروع على تطوير البنية الأساسية والمعدات، خاصة في العيادات البيطرية على طول مسارات الرعي والنقاط الحدودية. وعمل أيضا على تحديث وتنسيق قواعد بيانات الخدمات البيطرية، ما ساعد على الحصول على آراء سريعة ميدانيا بفضل برامج تجميع البيانات وأجهزة الكمبيوتر اللوحية التي باتت متاحة للعاملين في الميدان. بعد أعوام من النقص المزمن في الاستثمارات في قطاع الماشية، خاصة القطاع الرعوي، ما زال هناك كثير من العمل الذي ينبغي القيام به. لكن بوضع الرعي مرة أخرى كأولوية على أجندة التنمية، قدم المشروع قوة دفع جديدة، وأفسح طريقا ما لبث أن سلكه شركاء آخرون. هذه بداية جيدة للغاية، لكن علينا مواصلة العمل لإعادة الرعي إلى مكانه الصحيح في سياسات واستراتيجيات دول الساحل، وأيضا من أجل إطعام أكثر من 700 مليون شخص سيعيشون في غرب إفريقيا بحلول عام 2050.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي