Author

اختلاسات .. أين المراجع الداخلي؟

|
في أي شركة توجد عدة أقسام تعمل بالتنسيق مع بعضها للقيام بالمهام المطلوبة منها، وفي النهاية تحقيق مستهدفات المستثمرين عموما، بين هذه الإدارات توجد ضوابط للعمل ولوائح تمنع أي ممارسات قد تستغل من قبل الموظفين للسرقة أو التعدي على أموال الشركة أو مخالفة أنظمة الدولة وغيرها من الأهداف، وعلى أرض الواقع، الأغلب من الشركات لديه هذه اللوائح مكتوبة وواضحة وتراجع بشكل دوري، لكن هناك شركات لا نجد لديها هذه اللوائح مكتوبة، بل متعارفا عليها بالعمل فقط، خصوصا لدى بعض الشركات الصغيرة والمتوسطة والعائلية، وهذا مؤشر خطير إلى احتمالية وجود ثغرات قد تستغل من قبل بعض الموظفين.
تم تداول أخبار خلال الأسبوع الماضي حول حالتي اشتباه تلاعب واختلاس مالي لدى شركات مدرجة، العجيب أن هذه الشركات المدرجة من المفترض أن لديها أنظمة ولوائح قوية بحكم أنها مدرجة ولديها إدارة مراجعة داخلية وخارجية، ورغم ذلك تعرضت - في حال ثبوت الواقعة - إلى عمليات تلاعب واختلاس بالملايين، وهو ما يدق ناقوس الخطر حول مدى كفاءة عمل إدارة المراجعة الداخلية لدى الشركات، حيث إن الملاحظ أن العمليات المشتبه فيها لم يتم اكتشافها إلا بعد مرور ثلاثة أعوام، وهو ما يثير الانتباه حول مدى كفاءة عمل المراجع الداخلي أولا ثم الخارجي لدى هذه الشركات وكذلك يثير القلق حول البقية. تنبع أهمية دور المراجع الداخلي في كونه جدار الحماية الأول لدي الشركة للتأكد من الأنظمة واللوائح بمستوى جيد من الكفاءة والحماية ومن ثم التأكد من التطبيق الصحيح لها، لذلك كلما كانت لدى الشركة لوائح معدة بشكل مدروس وقوي فهذا نصف العمل، والنصف الآخر هو المتابعة والتأكد من تطبيق هذه اللوائح، والمراجع الداخلي يقوم بمراجعة جميع أعمال الشركة وليس فقط الإدارة المالية وهنا تنبع أهميته، ولذلك كان من الأهمية استقلال إدارة المراجعة الداخلية عن الإدارة التنفيذية وأن يكون مرجعها لجنة المراجعة، فهي التي تعين مدير إدارة المراجعة الداخلية وليس الرئيس التنفيذي، ولضمان استقلالية لجنة المراجعة لا بد أن تضم عضوا أو أكثر من الأعضاء المستقلين وغير أعضاء في مجلس الإدارة حتى لا تكون لهم مصلحة مع الإدارة التنفيذية، ويتم تعيينهم عبر الجمعية العمومية، كل هذه الإجراءات تهدف إلى إعطاء المراجعة الداخلية الاستقلالية والكفاءة للعمل، ورغم ذلك تحدث التجاوزات هنا وهناك وما خفى كان أعظم. في اعتقادي أن أحد الأسباب هو استمرار وجود ثغرة في عمل لجنة المراجعة عبر ترشيح أعضائها من قبل المجلس، وهذا يؤدي في بعض الأحيان إلى وجود لجان مراجعة مختارة قد لا تحمل الكفاءة المطلوبة للقيام بأعمالها، ما يجعلها قاصرة في الإشراف على المراجع الداخلي وهذا يجعل المراجع الداخلي متساهلا في عمله أو في بعض الأحيان يقع تحت سيطرة الرئيس التنفيذي إذا كان أقوى من لجنة المراجعة والمجلس وبالتالي قد يتم توجيه المراجع الداخلي بطريقة العمل بما يتوافق مع الرئيس التنفيذي، وسبق أن شهدنا حالة لذلك في أحد المصارف السعودية عندما وجدت حالة اشتباه تلاعب بالحسابات، قام الرئيس التنفيذي للمصرف بمحاولة السيطرة على الموضوع بإصدار قرار أن إدارة المراجعة ترجع إليه إداريا بشكل سافر ومخالف للأنظمة وبتجاوز للصلاحيات ولمجلس الإدارة وهو ما تم منعه وإيقافه من قبل الجهات المعنية بعد ذلك.
ختاما، لا بد من التأكد أن المراجعة الداخلية تستطيع العمل باستقلالية وتملك الصلاحيات والموارد البشرية الكافية لتغطية جميع أعمال الشركة مع وجود لجنة مراجعة مستقلة وذات كفاءة عالية، وللمستثمر إذا وجد شركة تهتم كثيرا بالمراجعة ولديها لجنة مستقلة وتعمل بكفاءة فهذه إحدى العلامات على مدى صحة وجودة الإدارة والمجلس وتجعل قرار المستثمر بالاستثمار أسهل وأوضح.
إنشرها