صناديق ائتمانية للجميع «1من 2»

ليس مؤكدا على الإطلاق ما إذا كان التعافي بعد الجائحة يدوم ويفضي إلى اقتصادات أكثر استدامة وإنصافا. ومن الواضح أن إغراء محاولة العودة إلى الماضي القريب قوي، وكذا المصالح الخاصة التي تفضل مثل هذا المسار. لكن كثيرون يدركون الآن أن ما يسميه رجل الاقتصاد برانكو ميلانوفيتش رأسمالية الجدارة الليبرالية لا بد أن يتغير بشكل كبير من أجل التصدي للتحديات الجهازية، ليس تغير المناخ فحسب، بل أيضا اتساع فجوات التفاوت في الدخل، والثروة، والرفاهية، والسلطة خاصة في الولايات المتحدة. يفرض التفاوت المفرط بين الناس وتدني الحراك بين الأجيال تهديدا وجوديا لرأسمالية السوق، وقد زادت الاحتجاجات الجماهيرية الأخيرة في مدن الولايات المتحدة ضد العنصرية الجهازية من حدة الشعور بإلحاح هذه المشكلة.
كما لاحظ داني رودريك من جامعة هارفارد تستطيع الحكومات أن تستهدف التفاوت بين الناس في ثلاث مراحل من العملية الاقتصادية. من الممكن أن تؤثر سياسات ما قبل الإنتاج في أمور مثل التعليم، والصحة، والثروة. وتؤثر التدخلات في مرحلة الإنتاج في توفير الوظائف وتكوينها، واتجاه التغير التكنولوجي، وقوة المساومة والتفاوض لمصلحة رأس المال والعمالة. أما سياسات ما بعد الإنتاج مثل الضرائب والتحويلات فمن الممكن أن تعمل على إعادة توزيع العوائد من العمل ورأس المال.
رغم أن صناع السياسات يعالجون التفاوت بين الناس عادة من خلال إعادة التوزيع اللاحقة، فإن كثيرين يدركون الآن أن بقاء الرأسمالية يستلزم تحولا في النموذج.
صحيح أن الحكومات يمكن أن تعتمد بشكل أكبر على سياسات مرحلة الإنتاج، وهو ما يدعو إلى مزيد من التعاون بين القطاعين العام والخاص، لضمان استيعاب الشركات للعوامل الخارجية السلبية المترتبة على قرارات تشغيل العمالة، والاستثمار، والابتكار. وقد تشمل هذه التدابير سياسات صناعية وابتكارية لتعزيز تطور التكنولوجيات التي تكمل العمالة ولا تحل محلها. إضافة إلى هذا، من الممكن أن تعمل الضوابط التنظيمية للعمل، والحد الأدنى للأجور، والإرادة المشتركة، على تحسين قدرة العمال على المساومة، في حين من الممكن أن تساعد السياسات القائمة على المكان والسياسات التجارية على تحسين الظروف اللازمة لإنشاء وظائف جيدة.
لكن رغم أن مثل هذه التدخلات من الممكن أن تعمل بكل تأكيد على تحسين الوضع الراهن إلى حد كبير، فإنها ستفشل رغم ذلك في معالجة أكثر مصادر الظلم وضوحا: الحظ عند الولادة.
تظهر أبحاث أجراها راج شيتي من جامعة هارفارد وآخرون أن نوع الأسرة التي يولد فيها الفرد في الولايات المتحدة بما في ذلك العرق، وبنية الأسرة، وموقعها الجغرافي، فضلا عن ثروات الآباء، والدخل والتعليم تحدد بقوة نوع الحياة التي سيحظى بها، بل حتى متوسط عمره المتوقع. إن التفاوت الموروث بين الناس في الفرصة يسبق مشاركة الناس في الأسواق، ويتفاقم على مدى الحياة.
كمجتمع، يجب أن ننظر إلى أشكال التفاوت الموروثة واسعة النطاق بعدها غير محتملة ولا يمكن التسامح معها. يعبر الفيلسوف السياسي جون راولز عن هذا الأمر على أفضل نحو بقوله: "هل يختار أي شخص عاقل العيش في مجتمع يسمح بمثل هذا التفاوت إذا لم يعرف الهوية التي ولـد عليها؟ خلف حجاب الجهل هذا، يفترض أن يختار الجميع عقدا اجتماعيا يوفر مجالا متكافئا للجميع".
لا قبل لسياسات الحكومة بتغيير عرق أي شخص، أو نوعه الاجتماعي، أو أسرته، أو محل ميلاده. لكن التدابير الرامية إلى مساواة الثروة الموروثة قادرة إلى حد كبير، وإن لم يكن بالكامل، على مقاومة التفاوت الموروث في الفرصة... يتبع.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2020.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي