رقمنة الاصطفاف

مناوشات واصطفاف الإعلام الاجتماعي اليوم ذكرتني بكلمتين من المحكية السعودية كانت حكرا على الأطفال، وصارت اليوم تمارسان دون لفظهما، لكن التطبيق يتم بحذافيره.
الأولى كلمة " صحيب" وهي مشتقة من صحب والصحبة، وتعني تصالح الأطفال قديما، فإذا عقد الطفل خنصره على خنصر صديقه بعد خصام بينهما أو جفوة ما وقال له، "صحيب" فهذا معناه تجدد الصحبة.
أما "جريب" وهي الكلمة الثانية فتعني المخاصمة، والمقاطعة، فإذا نظر الطفل إلى رفيقه بغضب أو عتب أو استعلاء وقال "جريب"، فهذا يعني وقوع الخلاف والقطيعة، وهي كلمة مشتقة من الجرب، الداء المعروف الذي يصيب الماشية، ويجعل الراعي يعزل المصابة منها عن بقية القطيع.
كان ذلك يحدث يوميا داخل البيوت العامرة بالأبناء والأحفاد، وفي شوارع أو ممرات الحارة، أو حتى ممرات ومداخل العمائر السكنية، فالغضب أو الزعل يحدث لأي سبب مثل الاختلاف على ملكية "مصاقيل" أو علكة، أو خشبة وجدت ملقاة على الطريق، ثم تتم المصالحة بوسائل عفوية وبسيطة.
التحزبات والتكتيكات الحزبية، ومبدأ "فرق تسد"، وتكوين التحالفات، والتخطيط الآني كلها كانت ممارسات حاضرة في الشارع، يوم أن كان هناك شارع، ومعظم ما تقدم اختفى من حياة الأطفال الجدد لأسباب كثيرة، ولا أعرف هل هو لمصلحتهم ومصلحتنا أم لا؟.
المفاهيم نفسها موجودة اليوم، لكن تمت "رقمنتها" ولم تعد حكرا على الصغار، خاصة عندما نتحدث عن تطبيقات وبرامج التواصل، ولم يعد الأمر حكرا على الأفراد بل رأينا جهات عامة خاصة تصاب بالغضبة المضرية وتصب جامها على ناقد أو شاك هو في الأساس المواطن الذي أنشأت ودفعت رواتب منسوبيها من أجله، ولم يعد الأفراد هم وحدهم من يشخصنون المسائل.
تأمل في إحدى وسائل الإعلام الاجتماعي "تسميتها بالاجتماعي مغالطة تاريخية ثقافية ستنتهي يوما ما" وحاول أن تعرف كم حالة "صحيب" و "جريب" نعيشها يوميا، ولماذا؟ وكيف؟ فقط تخيل الأطفال قديما في حارتكم وشارعكم، وحاول إسقاط شخصيات تتذكرها على من يتنازعون أمامك وستعيش ترويحا لطيفا عن النفس، والأهم أنك لن تصطف إلى أي جانب لأنك تتوقع أن فرقاء اليوم قد يكونون حلفاء الغد، أو حتى مساء اليوم نفسه، تبعا لسير "الوسم".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي