Author

الخطوط الجوية الإرهابية

|
الحادثة التي وقعت فوق الأجواء السورية أواخر يوليو المنصرم، حينما اقتربت مقاتلة عسكرية أمريكية كانت في مهمة روتينية بالقرب من قاعدة التنف السورية بمسافة آمنة من طائرة تابعة لشركة ماهان الإيرانية، أعادت فتح ملف الأخيرة ودورها الإرهابي المستتر في دعم ومساعدة السياسات الشريرة للنظام الإيراني الفاجر في الشرق الأوسط.
في زمن الشاه، حينما كانت إيران دولة محترمة متقيدة بمبادئ وأعراف القانون الدولي كانت شركة هوابيماي ملي إيران - الخطوط الجوية الوطنية الإيرانية - التي أسست عام 1962 هي الناقل الرسمي للبلاد وكانت تستمد احترامها وثقة منظمة الطيران العالمية بها من احترام المجتمع الدولي للدولة المالكة بل كان مرحبا بها في كل مطارات العالم، وكانت الشركات المصنعة لطائرات النقل المدنية تزودها بأحدث منتجاتها بما في ذلك طائرات الكونكورد التي أوصت طهران على ثلاث منها عام 1972 قبل أن تقوم حكومة الثورة غير المباركة بإلغاء الصفقة.
لاحقا غير الملالي اسم الناقلة إلى هوابيماي إسلامي إيران - الخطوط الجوية الإسلامية الإيرانية - ضمن تغييرهم كثيرا من الأسماء والعناوين وإلباسها صفة إسلامي. لكن هذا لم يكن كافيا بالنسبة للحرس الثوري وفيالقه الإرهابية الساعية إلى التخريب والفوضى. ولأن الحرس الثوري الإيراني تزايد نفوذه وسطوته إلى درجة بات معها يشكل دولة داخل دولة الولي الفقيه، كان لا بد أن تكون له خطوطه الجوية المدنية الخاصة لاستغلالها في أعماله السرية القذرة. وهكذا ولدت عام 1991 شركة ماهان الإيرانية للطيران التي راحت تحت ستار صفتها المدنية تنقل الأسلحة والمقاتلين الإيرانيين والمرتزقة الأجانب إلى جبهات القتال التي انخرطت فيها إيران الخامينائية، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى اتهامها بتقديم الدعم المالي والمادي والتكنولوجي إلى الحرس الثوري الإيراني وفرض عقوبات عليها عام 2011، لتقوم عدة دول أوروبية من بينها ألمانيا وإيطاليا وفرنسا عام 2019 بخطوة موازية تمثلت في منعها من العمل في مطاراتها، وتزامن ذلك مع قرار أمريكي آخر بفرض عقوبات إضافية على الشركة بموجب سلطة أسلحة الدمار الشامل، لشحنها صواريخ ومواد نووية إلى إيران.
وبطبيعة الحال لم تكن هذه الدول بحاجة إلى دليل على انتهاكات "ماهان" كي تفرض عليها تلك العقوبات. فالأدلة التي تدينها أكثر من أن تحصى ومنها ما قاله أحد قباطنتها ويدعى أسد إلهي من أنه في حزيران عام 2013 نفذ رحلة جوية من طهران إلى دمشق برفقة حمولة ممنوعة مع مائتي راكب من بينهم النافق قاسم سليماني، الذي كان يعرفه ويجلس إلى جانبه في قمرة القيادة وأن الأخير حينما شعر بوجود محاولة من قبل القوات الأمريكية في العراق لإجبار الطائرة على الهبوط في مطار بغداد لتفتيشها سارع إلى التنكر بزي مهندس الطائرة رحيمي وارتداء قبعة ونظارة سوداء. ومن الأدلة الأخرى التي جمعتها مصادر استخباراتية عديدة أن الشركة، وإن كانت مسجلة كشركة تجارية خاصة مالكة لنحو 55 طائرة، تطير إلى 66 وجهة وتنقل نحو خمسة ملايين راكب سنويا، إلا أن من يقوم بتمويلها ودفع أجور العاملين بها هو الحرس الثوري، كما أن من يترأسها هو المدعو حميد أرابنيجاد خانوكي المقرب جدا من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الذي أدرجته واشنطن على قائمتها السوداء عام 2013.
على أن "ماهان" ليست متهمة فقط بدعم الإرهاب والفوضى والتخريب ونقل السلاح والمقاتلين إلى أماكن الاضطراب في سورية والعراق واليمن ولبنان فحسب، بل هي فوق ذلك صارت متهمة بنشر وباء كورونا المستجد. ففي تحقيق أجرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في مايو من العام الجاري من خلال تعقب رحلات الشركة والتحدث إلى بعض مسؤوليها، تبين أن "ماهان" تحدت قرارات حكومية ودولية بين أواخر يناير ونهاية مارس 2020 وقامت بتسيير رحلات عديدة من إيران الموبوءة بالجائحة إلى سورية والعراق ولبنان وعدد من العواصم الخليجية، ما ساعد على انتشار الفيروس الصيني في الشرق الأوسط. علاوة على ذلك واصلت "ماهان" القيام برحلات إلى الصين في عز انتشار الوباء فيها. والدليل على صحة ما نقول، هو أن أول إصابة رسمية بكوفيد - 19 سجلت في العراق كانت نتيجة سفر طالب إيراني على متن طيران ماهان (الرحلة رقم W55062) من بلاده الموبوءة إلى النجف في 19 فبراير الماضي، وأول إصابة للوباء سجلت في لبنان كانت بسب امرأة لبنانية نقلتها الشركة من قم إلى بيروت في 20 فبراير 2020 على متن رحلتها (رقم W5112).
وكنتيجة لكل ما سبق أعلنت الولايات المتحدة في بيان لها في مايو المنصرم أن الصين تعد واحدة من الدول التي تستقبل خطوط "ماهان" الناقلة للأسلحة والإرهابيين حول العالم لمصلحة تنفيذ أجندة طهران الهادفة إلى زرع الفتن وعدم الاستقرار، وأن واشنطن قررت فرض عقوبات على شركة شنغهاي سانت ليميتد الصينية التي تتخذ الصين مقرا لها، بسبب تقديمها خدمات وكلاء مبيعات عامة إلى شركة الطيران الإيرانية المدرجة على قوائم الإرهاب. أما جورج بومبيو وزير الخارجية الأمريكي فقد توعد في تغريدة له أي شخص ودولة بما فيها الدول الأوروبية يتعامل مع شركة ماهان للطيران بالعقوبات.
ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أن "ماهان" متهمة من قبل واشنطن بتسهيل نقل شحنات الذهب من خزائن في فنزويلا إلى إيران ما يحرم الشعب الفنزويلي موارد يحتاج إليها في عملية إعادة بناء اقتصاده، وبمساعدة نظام نيكولاس مادورو غير الشرعي من جهة محاولاته اليائسة لتعزيز إنتاج الطاقة الذي تراجع بسبب سوء الإدارة.
إنشرها