التوزيع العالمي للأجور

أصدرت منظمة العمل الدولية، العام الماضي، دراسة عن توزيع الأجور العالمية. وتتضمن الدراسة معلومات قيمة عن معدلات أجور العاملين وتوزيعها بين الشرائح العاملة على المستوى العالمي. وتقسم الدراسة شرائح العاملين إلى عشر شرائح أجور تشكل كل واحدة منها 10 في المائة من الإجمالي، كل واحدة منها تتلقى متوسط أجور معين. وتظهر البيانات تباينا كبيرا في معدلات الأجور بين الشرائح. ويصل معدل أجور العاملين في العشر الأعلى أجرا إلى 7445 دولارا شهريا في القوة الشرائية المعادلة في 2017، بينما تنخفض أجور عاملي العشر الأقل أجرا إلى 22 دولارا شهريا أو إلى أقل من دولار واحد في اليوم. وبهذا يكسب الشخص الأعلى أجرا في المتوسط ما يعادل أجور نحو 340 عاملا من الأقل أجرا.
بلغ متوسط أجور العاملين الشهرية حول العالم 1527 دولارا في 2017، وقل متوسط أجور نصفهم الشهرية عن 470 دولارا، بينما كانت الأجور الشهرية لأكثر من 80 في المائة من العاملين على المستوى العالمي تحت 1900 دولار. حصل العشر العامل الأعلى أجرا على ما يقارب نصف الأجور العالمية، في المقابل قلت أجور ثمانية أعشار العاملين العالمية عن ثلث الأجور العالمية. وعموما تظهر بيانات توزيع الأجور تفاوتا كبيرا بين أجور الشرائح العمالية العالمية العشر. وعلى الرغم من ذلك إلا أنه حدث بعض التحسن في عدالة توزيع دخول الأجور على المستوى العالمي خلال الفترة 2004 - 2017 ويعود جزء كبير من هذا التحسن إلى معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة في الدول الصاعدة، خصوصا الصين والهند. من جهة أخرى تراجعت عدالة توزيع دخول الأجور على المستويات المحلية الوطنية في كثير من دول العالم، بما في ذلك الصين والهند صاحبتا أكبر قوى عاملة في العالم ومحققتا أكبر معدلات النمو الاقتصادي.
يعود التباين الكبير في عدالة توزيع الأجور عالميا إلى الاختلافات الكبيرة بين معدلات الناتج المحلي للفرد لدول العالم، كما يعود إلى تراجع عدالة توزيع الأجور داخل دول العالم. وتختلف دول العالم في عدالة توزيع الأجور حيث ترتفع عدالة توزيع الأجور في دول معينة وتتراجع في أخرى. ويعود ذلك لعوامل متعددة أبرزها أنظمة العمل، وخصائص العمالة وقواها التفاوضية، وطبيعة الأنشطة الاقتصادية، والتمييز والثقافة العامة، وتوافر الخدمات العامة ونوعيتها، خصوصا في مجالات التعليم والتدريب والرعاية الصحية. ومن المثير للشفقة أن عدالة توزيع الأجور تزداد سوءا في الدول التي تنخفض فيها معدلات الناتج المحلي للفرد مقارنة بالدول الأعلى ناتجا للفرد. وهذا يضاعف معاناة الشرائح العاملة الأقل أجرا، حيث تنخفض متوسطات الأجور في هذه الدول وتزداد الفروقات بين أجور الشرائح العمالية ما يعمق معضلات الفقر في الدول منخفضة الدخل.
لم يسلم عدد من الدول المتقدمة من تراجع عدالة توزيع دخول الأجور على المستويات الوطنية، حيث تظهر البيانات مكاسب كبيرة في حصص الشرائح الأعلى أجرا "خصوصا الأعلى 1 في المائة" وخسارة للشرائح العاملة الأقل أجرا في الفترة 2004 - 2017. وتظهر بيانات ألمانيا والولايات المتحدة خسارة لنصيب الشرائح العمالية متوسطة الأجر، وفي الوقت نفسه ارتفع نصيب الشرائح الأعلى أجرا، أما بيانات المملكة المتحدة فتظهر مكاسب حادة للعاملين في قمة هرم الأجور وخسارة ملحوظة لنصف العمالة القابع في أسفل سلم الأجور. وعموما تظهر البيانات أن مكاسب العمالة عالية الأجور "أعلى 5 في المائة" جاءت على حساب باقي "95 في المائة" الشرائح العمالية، وكان تأثيرها السلبي أقوى في العمالة الأقل أجرا.
على الرغم من النقص في بيانات حصص دخول الأجور من الناتج المحلي، إلا أن البيانات المتوافرة تشير إلى تراجع نسبة الأجور من الناتج المحلي على المستوى العالمي خلال الفترة 2004 - 2017. فقد انخفضت حصة الأجور إلى 51.4 في المائة من الناتج المحلي العالمي في 2017 بعدما كانت 53.7 في المائة في 2004، في المقابل ارتفعت عوائد رِأس المال من الناتج المحلي الإجمالي. تعمق هذا التراجع فروقات الدخل بين الشرائح السكانية، حيث تعتمد الشرائح السكانية الأقل دخلا على الأجور بدرجة أكبر بكثير من الشرائح السكانية الأعلى أجرا. كما تزداد فجوات الدخل بين الشرائح السكانية الغنية جدا أو الأغنى 1 في المائة من السكان مع باقي الشرائح السكانية.
أما بالنسبة للمملكة فلا تتوافر بيانات منشورة عن توزيع الأجور بين الشرائح العاملة، ولكن تتوافر معدلات الأجور العامة وعلى أساس الجنس والجنسية والقطاعين العام والخاص بشكل إجمالي. ووصل معدل أجر العاملين في الربع الأول من 2020 بشكل عام إلى 6503 ريالات "1734 دولارا" في الشهر، بينما وصل متوسطا أجور السعوديين والمقيمين إلى 10303 ريالات "2747 دولارا" في الشهر، و4031 ريالا "1075 دولارا" على التوالي. تظهر بيانات الأجور في المملكة تباينا واضحا بين متوسطات الأجور في القطاعين الخاص والعام لكل من السعوديين والمقيمين على حد سواء. عموما، توجد حاجة إلى التعرف على توزيعات الأجور بين الشرائح العاملة المختلفة، وذلك لسبر أغوار سوق العمل في المملكة، ووضع ضوابط وآليات لخفض فجوات الأجور، وتحسين ظروف العمل. وهذا سيساعد على زيادة فرص التوظيف وجلب الاستقرار إلى أسواق العمل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي