Author

المشتقات بين إدارة الخزينة وإدارة المخاطر

|
تم الإعلان أخيرا من قبل شركة السوق المالية السعودية تداول عن إطلاق سوق المشتقات المالية يوم 30 آب (أغسطس) المقبل، وبدأ تداول العقود المستقبلية للمؤشرات كأول منتج مشتقات مالية يتم تداوله في السوق المالية السعودية. ولست أدعو هنا للاحتفال بهذه الخطوة المهمة، فمجهودات "تداول" وهيئة السوق المالية ومؤسسة النقد كذلك إذ دشنت في شباط (فبراير) الماضي "المركز الوطني لتسجيل المشتقات المالية" وكل الجهات التي تساند وتدفع عملية تطوير السوق المالية السعودية وتحسين البيئة الاستثمارية والقطاع المالي واضحة ولا تخفى على أحد، وهي جهود كبيرة وذات نسق عال وتصنع قدرا معتبرا من الانتباه حتى على المستوى الدولي.
تشكل سوق المشتقات المالية في الأساس حلا مهما للمختصين، ولا يتوقع التفاعل المباشر معها إلا ممن يملكون الحاجة والقدرة والكفاءة على التفاعل معها سواء كانوا وسطاء أو مستثمرين. لكن هذا لا يعني أنهم سيعملون بمعزل عن عالم الأعمال الحقيقي الذي يقود الحركة الاقتصادية، سواء في قدرته الإنتاجية أو مدى تطوره في الممارسات، وأعني تحديدا ممارسات الإدارة المالية مثل إدارة الخزانة والمخاطر. وهنا تحديدا مربط الفرس، من المهم أن يكون هناك قدر من التوازن بين تطور القطاع المالي والأسواق المنظمة التي تتبعه، وتطور الأعمال والممارسات الحقيقية على أرض الواقع.
في وقت سابق، كانت الأعمال تسبق السوق المالية في ممارساتها ما شكل تحديا كبيرا لممارسي الأعمال لإيجاد الحلول التمويلية والاستثمارية التي تناسب النمو الطبيعي خلال فترات التوسع السابقة. واليوم يحدث العكس تقريبا، لكن بشكل مختلف. إذ لا نقول إن جميع ممارسات إدارة المخاطر والخزينة حتى الممارسات الأخرى المرتبطة باستكشاف واستغلال الحلول التمويلية والاستثمارية متأخرة عن التطور التشريعي والتنظيمي الحاصل. لكن هناك درجة كبيرة من التباعد في المستويات بين ممارسي الأعمال. حجم الأعمال التي لا تستطيع أو لا ترغب في مواكبة التطور كبير نسبيا، ما يجعل المنشآت التي ترغب وتملك الاستعداد للاستفادة من هذه الحلول المتطورة محدودا جدا. وهذا تحد كبير يحد من عملية نمو هذه الأسواق المالية تماما مثل نمو أسواق الدين التي تطورت تنظيميا بشكل كبير على عدة مراحل، لكن لا تزال أعداد الصفقات محدودة.
عندما نتحدث عن إدارة المخاطر فنحن نتحدث عن تطوير الفرق والممارسات على مستوى المنشآت المنتجة اقتصاديا، بغض النظر عن طبيعة الكيان التجاري، فالحديث هنا عن أي منشأة تملك الحجم الكافي للدخول في الممارسات المتطورة لإدارة الخزينة، سواء لإدارة الأصول والالتزامات بشكل أكثر كفاءة، أو لإيجاد حلول جديدة تقوم على تحويل الحقوق والالتزامات غير المستغلة إلى مصادر للتمويل أو الدخل. بناء القدرات على مستوى إدارة الخزينة للشركات العاملة في السوق كفيل بتحريك سوق كاملة غير مستغلة تسهم في إحداث حركة فاعلة في مجال التمويل والاستثمار وإيجاد القاعدة المناسبة لتطوير أسواق أخرى قائمة على وجود الحركة التجارية والاقتصادية، مثل أسواق الدين والمشتقات. وبالطبع لو فتحنا أعيننا على مسألة بناء القدرات لإدارات النقد والخزينة لوجدنا قائمة طويلة من التحديات يقف على رأسها إيجاد العنصر البشري المؤهل وفهم ودعم الإدارات العليا لهذه الممارسات.
ومثل ذلك إدارة المخاطر، فسوق المشتقات تعد رافدا مهما لخيارات التحوط وإدارة المخاطر. وإذا كانت المخاطر موجودة، وسوق المشتقات موجودة، فيتبقى لنا بطبيعة الحال إدارات المخاطر التي تستطيع استكشاف الخطر، ودراسته، ومحاولة التقليل من أثره واختيار الأدوات المتاحة المناسبة لذلك. وهنا نتحدث تحديدا عن إدارة المخاطر المالية التي في نظري تعد من ناحية الممارسات ضعيفة جدا باستثناء بعض المنشآت الكبرى التي لا تخلو من الضعف كذلك. وبالطبع تحوز إدارات المخاطر محليا تحديات مشابهة لتحديات إدارة الخزينة: العنصر البشري المؤهل ودعم الإدارة العليا.
قامت الجهات المسؤولة وعديد من المهتمين من الجهات والأفراد بالحديث عن المشتقات تعريفا بها، واستجاب الأفراد لهذه اللقاءات والكلمات التي تلقى بغرض التوعية، وهذا أمر محمود خصوصا في هذا الوقت وقبل تدشين السوق. لكن من المهم جدا أن يستمر العمل ليشمل أصحاب الشأن، وأقصد ممارسي الأعمال الذي يصنعون العمق المطلوب في السوق من النواحي الاقتصادية بالإنتاج والمهارة الإدارية. سواء كانوا ملاكا للأعمال، أو أعضاء مجالس المديرين، أو مسؤولي المخاطر والإدارات المالية. ولا تنتهي المهمة عند ذلك، فعلى المشرعين والمنظمين حمل ثقيل قوامه المتابعة والمراقبة والتحفيز والتيسير، خصوصا تحديات الممارسات التي لا ينبغي غض الطرف عنها، مثل التحديات الضريبية والزكوية التي أثبتت تأثيرها في أسواق الدين.
إنشرها