Author

سوق «الألم»

|
تجربة الألم تمر بكل إنسان. الألم الجسدي أو ما يسميه بعض الفلاسفة الألم الفيزيائي الميكانيكي، لأن الألم الروحي أو النفسي قد ينجو منه البعض، أو قد يمتلك مناعة منه لأسباب كثيرة، لكن آلام الأجساد قلما ينجو منها أحد.
يختلف البشر في إحساسهم بالألم، أو تفاعلهم معه؛ صمتا مطبقا أو بكاء شاكيا، وذلك مفهوم لاختلاف مستويات قوتهم، ومستويات "إفصاحهم"، وربما قناعاتهم الدينية أو الثقافية، ففكرة أن الألم يأتي معه "التطهير" وردت في معظم مرويات الشعوب، وفي تعاليم أو آداب كثير من الأديان.
أصغر جزء في الجسد قد يكون الأكبر ألما عندما يصاب، وأكثر الناس صبرا واحتمالا للألم - كما يحسبون أو يحاولون أحيانا - ربما لا يستطيعون احتماله، وفي الإجمال، فإن تجربة البشر مع الألم تختلف من شخص لآخر، وقد ثبت علميا أن مستوى الإحساس بالألم قد يسبب صراخا لدى البعض، ومجرد حركة رمش بالنسبة إلى البعض الآخر. فلماذا يكون الألم مجرد إحساس عابر لدى البعض في حين أن فئة أخرى يكاد الألم يكون رفيقا لها؟ وهذه المفارقة تنطبق على الألمين الجسدي أو النفسي.
آلام الناس الجسدية، باتت سوقا ضخمة ما بين المشافي، وشركات التأمين، وصناعة الأدوية، التي يعد فرع "المسكنات" فيها الأكبر والأكثر رواجا لدرجة أن جزءا منها يباع على الرف مثل أصناف البقالة أو التجميل.
في صراع المرضى مع الألم تفاصيل تجارية كثيرة دخلت بين التفاصيل أو فيها وكأنها شيطان المثل الأمريكي الشهير، والمتألم مثل الغريق يتعلق بكل وصفة علاج أو إجراء طبي، بينما بعض المستشفيات وشركات التأمين يتعامل معه أو مع ألمه على أنه "رقم" أو مستهدف يسعى المشفى إلى تحقيقه، إضافة إلى قوائم فواتيرها، وشركة التأمين إلى حذفه من مسؤوليتها إن استطاعت، أي إبعاده قدر المستطاع من أو عن فواتيرها.
لا يفهم المريض أن تحور خطة العلاج بناء على مستوى تأمينه الطبي، فهو لا يزال يعد الكادر الطبي عنوان الرحمة، ولكن هذه الرحمة باتت تخضع لعقود وتفاصيل وبنود ليس كل المرضى على دراية بالتعامل معها، وليسوا جميعا ممن يمكنه النقاش والسؤال والمقارنة، فضلا عن الحصول على رأي آخر.
من ينظر بعين فاحصة إلى نقاشات تجري على "كاونتر" الاستقبال أو في غرف الاستراحة للمختبرات والأشعة، يعرف طرفا من حجم هذه السوق، سوق الألم، التي لولا أطباء يخافون الله ويراعون قسمهم، لافترست مزيدا من المرضى صحيا وماليا.
نسأل الله أن يكون الأغلبية مثل هؤلاء الأطباء، وأن يشفي كل مريض، ويلطف بكل متألم جسديا وروحيا.
إنشرها