Author

دمج «الصناعة» و«الاستثمار»

|
مستشار اقتصادي
أحد جوانب "الرؤية" وبرامج التحول الوطني المشجعة على التطوير والتقدم الاستعداد للتفكيك والتجريب في الهياكل الإدارية العليا، كما شهدنا في مثال دمج وزارتي الخدمة المدنية والعمل الذي تناولته في مقالين سابقين، وقبل ذلك فصل "الصناعة" عن "الطاقة"، تقدم المملكة وربما كل الدول مرهون بحجم ونوعية الاستثمار البشري والمادي. تعاملت مع البشري، وهنا أتعامل مع المادي من خلال اقتراح دمج وزارتي الصناعة والاستثمار لدعم الاستثمار المادي. ليست المملكة جديدة على قيادة القطاع العام في الصناعة، كما حدث مع الصناعة البتروكيماوية والتعدينية والسلاح حتى الأدوية والخدمية كما في المصارف وشركة التأمين الوطنية. فصل "الصناعة" عن "الطاقة" ورفع أهمية هيئة الاستثمار إلى وزارة استثمار توجه استراتيجي في الطريق الصحيح كما أراه، ولذلك أرى دمجهما خطوة تكتيكية تعزز وتركز المسيرة الاستثمارية عموما وفي الصناعة خصوصا. مسيرة الوزارتين تختلف في النشأة وتلتقي في الأهداف والتوجه.
وزارة الصناعة بدأت مع أول محاولة مؤثرة للمملكة في الصناعة، وقامت بدور محوري في تأسيس المدن الصناعية في الجبيل وينبع وقيادة تأسيس "سابك"، بعد ذلك فقدت جزءا من بريقها ربما لأن "سابك" وبعدها "معادن" أصبحتا شركتين كبيرتين، وعلى أمل أن تظهر صناعات ثانوية وتطوير سلسلة الإمداد، لكن هذا لم يحدث بالحجم الكافي والسرعة المتوقعة. ثم تم دمجها مع الطاقة ربما لأن المملكة تعتمد على الطاقة والصناعة في أغلبها هيدروكربونية، وكذلك شركات المنافع التي تعتمد على الطاقة - للانكشاف سبق أن اقترحت إمبراطور طاقة وبالتالي ضمنيا دمج الصناعة في ظروف مختلفة. بعد تجربة ليست طويلة تم فصل "الصناعة" في محاولة أخرى لدعم الصناعة والقطاع الخاص. بينما جاء تأسيس هيئة الاستثمار بهدف جذب وتشجيع الاستثمارات الأجنبية في المملكة. لم تحقق الهيئة المأمول لأسباب إدارية وموضوعية، فمثلا الاستثمارات المباشرة النوعية جاءت من خلال تواصل وعلاقة مباشرة مع شركاء سعوديين على تواصل أفضل مع الشركات الأجنبية الكبيرة مثل أرامكو وسابك ومعادن. رفع مستوى الهيئة إلى وزارة يدل على توجه جاد ونوعي لتوجيه البوصلة نحو الاستثمارات الصناعية في الداخل. تواجه الوزارتان تحديا وفرصة، التحدي أن تجد كل واحدة منهما المساحة الكافية للمساهمة في المسيرة الاقتصادية، كما رسمتها "الرؤية" والفرصة في التشارك الموضوعي بينها في التنفيذ، والفرصة في توحيد الجهود وتعظيم المصلحة الوطنية، لدى كليهما أدوار تنظيمية ورقابية وترويجية، لكن التكامل الفعلي كما ونوعا وتوجها في تقدم الصناعة، لأن التفكير في الصناعة دون استثمار حكومي مؤثر غير عملي والاستثمار دون استثمارات صناعية مؤثرة ناقص. فمثلا دور وزارة الصناعة في الصناعات العسكرية كأحد أهم ميادين الاستثمار محدود، ولذلك تأطير دور الوزارة لا بد من أن يأتي من قيادة الاستثمارات عامة سواء كانت مدنية أو عسكرية، خاصة أن التداخل في عصر البرمجيات والإلكترونيات والاتصالات وعلم المواد أصبح أكثر تكاملا وتطابقا إلى حد كبير. خطة استثمارية شاملة ستجد أن صندوق التنمية الوطني تحت مظلتها، لأن الاستثمار ليس في الصناعة وحدها، لكن في قطاعات أخرى تخدم الصناعة وتستفيد منها.
تطور الاقتصاد الوطني مرهون جزئيا بقيادة الاستثمار الصناعي. لذلك أرى الدمج فرصة لقيادة التوجه الجديد تحت مظلة واحدة تستطيع تركيز الجهود المادية والبشرية والعلاقة مع الفعاليات الداخلية والخارجية. حاليا يغلب على دورهما التنظيم والرقابة والترويج والعلاقات العامة، لذلك أرى أن الدمج سيساعدنا على الانتقال مؤسساتيا من التنسيق والتنظيم والرقابة إلى التنفيذ. فمثلا هناك فرصة لتركيز الاستثمارات الصناعية الجديدة مثل الصناعة الرابعة وقيادات صناعات أخرى مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد. مثال آخر ليس هناك وضوح في العلاقة بين وزارة الصناعة والصندوق الصناعي دون دور قيادي استثماريا. التجربة ترشدنا إلى أن جذب الاستثمارات الأجنبية خاصة في الصناعة هدف وتوجه يقوده الشركاء المحتملون في ظل بيئة مشجعة وليست علاقات عامة، كذلك لا يمكن التعويل على الاستثمارات الأجنبية دون دور حكومي مباشر في استثمارات صناعية واعدة على الأقل في العقد المقبل، الدمج يجعل النقاش مع المستثمر أسهل وأسرع. ربما تبدأ الوزارتان بالتنسيق المباشر عبر استراتيجية كل منها، خاصة أن الاستراتيجيات وربما الخطط العملية لهما ما زالت في دور الإعداد والمراحل الأولى، نظرا لحداثة تأسيس كليهما لكن يعين على دمجهما في وزارة واحدة، خاصة في ظل الحاجة إلى السيطرة على التكاليف.
إنشرها