دولة أمريكا والتسوية الخطيرة «2 من 2»
بمجرد أن أدرك صناع السياسات الأمريكية أن أعداد الإصابات والوفيات أصبحت في تصاعد مطرد، حاولوا عكس عملية إعادة الفتح. ولكن يبدو أن محاولتهم جاءت بعد فوات الأوان، فالآن عادت معدلات الإصابة إلى الارتفاع مرة أخرى وهددت الولايات الشرقية عن طريق المسافرين من الولايات الجنوبية والغربية.
مع افتقارها إلى خطة وطنية، ناهيك عن دستور يسمح بالسيطرة المركزية، تتبع كل ولاية غرائزها ومصالحها المتصورة، على نحو يتسم بقصر النظر عادة. وفي ظل حرية السفر بين الولايات، سيتنقل الفيروس الآن ذهابا وإيابا عبر البلاد إلى أن يصبح اللقاح متاحا أو يتحقق مستوى مناعة القطيع "على افتراض أن المناعة الدائمة من هذا المرض ممكنة".
مع استمرار الوفيات في الارتفاع في الولايات، التي كانت عدد حالات الإصابة بها أقل سابقا، من المرجح أن يتبنى مجلس الشيوخ نسخة من قانون حلول الطوارئ الشاملة للصحة والتعافي الاقتصادي. ستكون الحاجة ملحة إلى هذا الغوث، خاصة أن إعانات البطالة ستنتهي عند نهاية هذا الشهر، وسينفد مخزون أغلب هذه الولايات من المال. لكن الحاجة إلى هذا كانت لتصبح أقل لو أظهر مجلس الشيوخ القيادة في وقت سابق. ربما كانت الاستراتيجية الوطنية المنسقة للإغلاق لتؤدي إلى عودة أبطأ إلى العمل، لكنها كانت لتصبح عودة أكثر استدامة من الفوضى الجارية الآن.
في كل الأحوال، تنتقل العدوى من الولايات "الزرقاء" (الديمقراطية) إلى الولايات "الحمراء" (الجمهورية). وبحلول الثامن من تموز (يوليو)، ارتفعت نسبة الوفيات في الولايات الـ26 التي يقودها حكام جمهوريون (مقارنة بالولايات الـ24 التي يقودها حكام ديمقراطيون) إلى 29 في المائة، من 22 في المائة في أواخر آذار (مارس). نستطيع أن نزعم أن الحكام الجمهوريين كانوا أكثر تأثرا من نظرائهم الديمقراطيين بالتضليل الصادر عن البيت الأبيض وحلفائه في وسائل الإعلام. ففي ازدراء صريح للنصيحة العلمية، سخرت افتتاحية صحيفة "وول ستريت جورنال" أخيرا من جامعة "هارفارد" بوصفها "واحدة من المؤسسات الأخيرة في أمريكا، التي لم تتعلم الحذر من إحداث تغييرات جذرية استنادا إلى نماذج مستمدة من خبراء الصحة العامة".
على الرغم من ذلك، أظن أن الأمور ما كانت لتختلف كثيرا لو كان الديمقراطيون في محل المشرعين وحكام الولايات الجمهوريين. فالمشكلة تكمن في الافتقار إلى استراتيجية وطنية مركزية قابلة للتنفيذ في بلد يتبع نظاما فيدراليا تتحكم فيه السلطات المحلية في نهاية المطاف استجابة لاحتياجاتها والمخاطر المتصورة. إنها لمسألة صعبة على الدوام أن نطالب الناس بالتضحية من أجل آخرين بعيدين، من أجل التخفيف من مخاطر لا يرونها في مجتمعاتهم.
كانت قوة الولايات تمثل مشكلة في فيلادلفيا في 1787، ولا تزال المشكلة قائمة إلى يومنا هذا، كثيرا ما يستشهد بالتفاوت بين الناس بصفته السبب وراء عديد من العلل الاجتماعية، وكأن التفاوت الاقتصادي في أمريكا لم يكن كافيا، فإذ بنا نشهد الآن تأثير التفاوت التمثيلي المؤسسي وهو يقوض بشدة فاعلية ديمقراطيتها.
خاص بـ"الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2020.