Author

الدفع الإلكتروني .. التعاملات تتغير 

|

انتشرت أنظمة الدفع الرقمي بصورة كبيرة خلال الفترة الأخيرة بسبب الانتشار المتزايد للخدمات المصرفية والتسوق عبر الإنترنت. ومع تقدم العالم بدرجة أكبر في مجال تطوير التكنولوجيا، يمكننا أن نرى ظهور نظم الدفع الإلكتروني وأجهزة تجهيز المدفوعات، ومع تلك الزيادة والتحسين وتوفير معاملات دفع عبر الإنترنت أكثر أمانا من أي وقت مضى، ستقل نسبة استخدام الشيكات والمعاملات النقدية جراء ما تقدمه تلك النظم الجديدة من خدمات متنوعة إلى رواد الأعمال.

ومن هذا المنطلق، فإن الهجمة التي تتعرض لها الأوراق المالية "البنكنوت" حاليا، ليست جديدة بالطبع، فالدفع الإلكتروني أو بواسطة البطاقات الائتمانية البلاستيكية التقليدية، انتشر تدريجيا منذ سبعينيات القرن الماضي. ومع التقدم المذهل للتكنولوجيا في العقود التي تلت ذلك، صار الدفع الإلكتروني جزءا أصيلا وأساسا من المعاملات المالية والتجارية، ولا سيما على صعيد أسواق التجزئة.

حتى صار وضع البطاقة المصرفية في جهاز الدفع، أسلوبا متخلفا، بعدما أصبحت إمكانية الدفع بعدم ملامسة الجهاز المشار إليه. فضلا عن استخدام أجهزة الهواتف الذكية في عمليات الدفع، بما في ذلك، الصعود إلى المواصلات العامة والتاكسي والقطارات، وغير ذلك من خدمات على مدار الساعة وفي كل الساحات تقريبا. فالدفع الإلكتروني - الرقمي ليس جديدا، وشهد تحولات كبيرة في العقود القليلة الماضية، كلها تصب في مصلحته، وتقلص من تعاملات الأوراق النقدية.

ومع انفجار الأزمة الصحية والاقتصادية التي خلفها وباء كورونا المستجد، ناشدت الجهات الصحية الحكومية في معظم دول العالم مواطنيها، لتجنب استخدام الأوراق النقدية، نظرا إلى إمكانية نقلها ملوثات ربما أدت إلى الإصابة بالفيروس الخطير. حتى إن بعض الدول الإسلامية، حذرت من منح "العيديات" للأطفال على شكل نقود، وشجعت على تقديم الهدايا بدلا منها، أو بطاقات ائتمانية محدودة القيمة ومخصصة لمحال تجارية بعينها.

ومع اضطراب الساحة العالمية من جراء الوباء المشار إليه، بدأت المحال التجارية ونقاط الخدمات المختلفة، بتشجيع عملائها على استخدام البطاقات الذكية، ولا سيما تلك التي ليس من الضروري أن تضعها في جهاز الدفع مباشرة، ويمكن تمريرها عليه دون أن تلمسه أو تلمس اللوحة الخاصة بالأرقام. ووفق الإحصائيات الحكومية التي أعلنتها أغلبية الدول، فإن نسبة استخدام الأوراق النقدية تراجعت بصورة كبيرة، إلى درجة أن بعضها بات يفكر في طباعة أعداد أقل من الأوراق النقدية في المستقبل.

فالدفع الإلكتروني، لا يستدعي ملامسة بعض الأسطح المشتبه بها، كما أنه أثبت على مدى عقود أنه طريقة مثالية على الصعيد الأمني، خصوصا في دول تعاني ارتفاع مستوى جرائم السرقة والنشل. التحول المأمول باتجاه الدفع الإلكتروني ليس ملائما لعدد كبير من الدول، بسبب تخلف أنظمتها المصرفية، فضلا عن وجود مليارات البشر الذين لا يملكون حسابات مصرفية أصلا، خصوصا في الدول الفقيرة، فالسيولة النقدية ستتواصل إلى أجل لن يكون قصيرا في المستقبل، إلى أن تتواءم آليات الدفع مع الحراك الاستهلاكي تماما.

وهناك معوقات أخرى في هذا المجال، تتعلق بوجود شريحة على مستوى العالم لا تزال تعتقد أن الحفاظ على الأوراق المالية، أكثر أمانا في وقت الأزمات الاقتصادية، ولا سيما الكبيرة منها، فضلا عن نسبة أخرى لا تزال ترفض التعامل مع المصارف، لأسباب قد لا تبدو مقنعة، لكنها موجودة ويستند إليها.

فعلى سبيل المثال، يستخدم الأمريكيون مبالغ أقل على شكل أوراق نقدية، لكنهم يحتفظون بالمزيد، الأمر الذي يشكل تحديا للمجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي" وللبنوك المركزية الأخرى على مستوى العالم. لكن كل المؤشرات تدل على أن العالم يتجه بالفعل نحو أوراق نقدية أقل، واستخدام أوسع لوسائل الدفع الإلكترونية، خصوصا تلك التي تسحب من الحسابات المصرفية الجارية مباشرة، أي البطاقات غير الائتمانية. وفي ظل وباء كورونا المستجد، أدركت شرائح واسعة على المستوى العالمي، أهمية الدفع الإلكتروني، وما يشكله من أمان على الصعيدين الصحي والأمني.

إنها مرحلة ستسرع بالفعل عملية التخلص الأشمل لأوراق النقد، المتهمة دائما بأنها قد تكون ملوثة وناقلة لفيروسات لا أحد يراها بالعين المجردة. والخلاصة، تفيد نظم الدفع الرقمي الأفراد والمجتمع برمته من خلال إدراج مزيد من الأفراد في النظام المالي الرسمي بامتلاك حسابات مصرفية، كما تمنح نظم الدفع الرقمي أصحاب منشآت الأعمال حافزا قويا لإجراء معاملات مالية رسمية ومن ثم تزيد من الشفافية المالية وتحد من الفساد وأنشطة أخرى غير مشروعة.

إنشرها