Author

الاستجابة النقدية للأزمة الحالية

|
قادت أزمت كورونا وآثارها السلبية في المنتجين والمستهلكين إلى توقف العجلة الاقتصادية وتراجعت دخول الأسر والشركات والإيرادات الحكومية مدخلة دول العالم في دوامة الركود الاقتصادي ومفاقمة العجوزات الحكومية. شهدت الأزمة العالمية الحالية اعتلالا في جانبي العرض والطلب العالميين بسبب الإغلاق العظيم لاحتواء الجائحة وسياسات تقييد سلاسل الإنتاج وارتفاع تكاليف الإنتاج. رفعت الأزمة الحالية المخاطر وضيقت الائتمان وضغطت على الاستهلاك ما رفع حالة عدم اليقين وسلوكيات الحذر والتحوط والضغط على السيولة. بذلت المصارف المركزية العالمية قصارى جهدها للتصدي لآثار الجائحة في السيولة والأسواق المالية وضمان تدفق الائتمان للأسر، والشركات، والحكومات، ومنع انهيار الأسواق المالية والنقدية ووقف تضخيمها للأزمة الاقتصادية في الأسواق الحقيقية. أبدت المصارف المركزية العالمية وخصوصا مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي استجابة قوية وتواصلا وتنسيقا جيدا فيما بينها خلال الأزمة الحالية، التي ضربت جميع أرجاء العالم. إضافة إلى ذلك كثفت المصارف المركزية العالمية مواءمتها مع السياسات المالية الحكومية للخروج من الأزمة بأقل الخسائر ومنع إحداث شروخ دائمة في الاقتصادات العالمية لكي تتمكن من العودة إلى مسيرتها المعتادة بعد مرور العاصفة.
ضخ مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي كميات هائلة من السيولة لمواجهة الطلب العالي على الدولار ما ساعد الأسواق المالية والنقدية والدول الصاعدة والمؤسسات المالية والمقترضين بوجه عام على الحصول على الدولار بمعدلات فائدة منخفضة. ساعد هذا بدوره الاقتصاد الأمريكي على التكيف وتوفير سيولة للمستثمرين في الأسواق. ويرجع جزء كبير من تعافي الأسواق المالية إلى توافر سيولة رخيصة. قدم مجلس الاحتياطي الفيدرالي 2.3 تريليون دولار لدعم التسهيلات المقدمة للأسر والموظفين والشركات والأسواق المالية والحكومات المحلية. كما خفض المجلس معدل الفائدة الأساسي إلى نحو الصفر المئوي. ويؤثر معدل الفائدة الأساسي في معدلات الفائدة قصيرة الأجل كما يستهدف خفض المعدلات طويلة الأجل لتعزيز الاستهلاك والاستثمار. تعهد المجلس بالاستمرار في دعم الاقتصاد المحلي وتوفير السيولة اللازمة والمحافظة على معدلات فائدة متدنية حتى عودة الاقتصاد إلى وضعه الطبيعي وعودة التوظيف الكامل في الاقتصاد مع استهداف معدلات تضخم منخفضة.
دعم المجلس السيولة في الأسواق المالية والنقدية بشراء الأصول المالية، بما في ذلك السندات المدعومة بالرهن العقاري. وتوسع مجلس الاحتياطي الفيدرالي في شراء السندات حتى ارتفعت أصوله منها بأكثر من تريليوني دولار منذ بداية الأزمة لتوفير السيولة الكافية في الأسواق. وفر المجلس مبالغ ضخمة إضافية لعمليات الريبو، كما رفع من إقراض شركات السندات المالية. إضافة إلى ذلك خفض كثيرا من فائدة القروض المقدمة للمصارف إلى نحو ربع نقطة مئوية، وهي معدلات تقل عن نظيرتها أثناء الركود العظيم. شجع المصارف على الاقتراض لمقابلة احتياجات السيولة حيث كانت المصارف تتحاشى الاقتراض لتجنب إشاعة ذعر المودعين، كما خفف من القيود النظامية على المصارف لمساعدتها على مواجهة الأزمة.
شرع المجلس لأول مرة في تقديم الائتمان للشركات الكبرى بشكل مباشر لمواجهة الأزمة ودفع الأجور وتوفير لوازم الإنتاج، مع تأخير دفع الفوائد إلى ستة أشهر مشترطا عدم توزيع أرباح خلال الفترة وتجنب استخدام الموارد في شراء أسهمها، موفرا من خلال هذه التسهيلات 750 مليار دولار. ودعم أيضا تسهيلات الائتمان للشركات المتوسطة وتسهيلات الإقراض للأسر والطلبة كسندات قروض الطلبة وبطاقات الائتمان. إضافة إلى ذلك دعم مباشرة سندات حكومات الولايات والحكومات المحلية الأخرى. توسع المجلس في عمليات السواب (تبادل العملات) مع المصارف المركزية الرئيسة وأضاف دولا أخرى، كما أنشأ تسهيلات ريبو مع الدول غير المشاركة في عمليات السواب لتوفير السيولة بالدولار وخفض الضغوط على العملات الأخرى.
أما المصرف المركزي الأوروبي فقد واصل سياسات التيسير النقدي وكثف منها، حيث خفض معدلات الفائدة الأساسية إلى مستويات متدنية وصفرية تقريبا كما أستمر في تبني معدلات سلبية على إيداعات المصارف لديه. إضافة إلى ذلك رفع أنشطة شراء الأصول (السندات) أو ما يعرف بالتيسير الكمي، وأنشأ برنامجا مؤقتا لشراء الأصول بمقدار 1.35 مليار دولار إضافي للتعامل مع أزمة الجائحة الاقتصادية. صرح المصرف الأوروبي المركزي بأنه سيستمر في سياسات التيسير النقدي ما لم ترتفع معدلات التضخم فوق النطاق المسموح به وهو 2 في المائة. كما وسع نظام مشتريات الأصول ليشمل الأوراق التجارية المصدرة من قبل مؤسسات غير مالية للحد من المخاطر في تلك الأسواق. من ناحية أخرى أبدت بعض المصارف المركزية كالبنك المركزي البريطاني موافقتها على الشراء المباشر للسندات الحكومية. وعلى العموم تبنت المصارف المركزية الأخرى حول العالم سياسات التيسير النقدي.
سارع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بتقديم الدعم للدول الأشد ضعفا ومنخفضة الدخل لمواجهة تكاليف التصدي للجائحة وآثارها الاقتصادية من خلال توفير خطوط ائتمان بعضها سريع للدول الأشد احتياجا. واستخدم الصندوق الدولي صندوق احتواء الكوارث لمساعدة الدول الأشد فقرا لتخفيف أعباء ديون قروض صندوق النقد الدولي، كما طلب من الأعضاء دعم هذا الصندوق لتخفيف الأعباء على هذه الدول، وتقديم مساعدات سريعة ومرنة للدول المحتاجة.
ضخت الاستجابة القوية للمصارف المركزية الرئيسة كميات نقد هائلة في الأسواق. وعلى النقيض من المصارف المركزية للدول الصاعدة سمحت الثقة التي تتمتع بها مصارف الدول المتقدمة المركزية وعملاتها بالتوسع النقدي الهائل من دون الخوف من إحداث موجات تضخم مرتفعة.
إنشرها