دروس من الجائحة .. مستقبل التعليم والتكنولوجيا «2 من 2»
يتمثل الجانب الثاني في فجوة العدل والإنصاف والمساواة في الفجوة الرقمية: الفروق في القدرة على الوصول إلى الأجهزة، وإمكانات الاتصال، والبرمجيات المناسبة، فضلا عن العجز الهائل في المعلمين الملمين بالمهارات الرقمية. وكنا نعلم أن هناك فجوة رقمية، لكن الصدمة أصبحت الآن مباشرة، وأدى عدم معالجة هذه الفجوة إلى منع التكنولوجيا من أن تكون العنصر الحاسم في تحقيق المساواة، وهي قادرة على ذلك.
وللفجوة الرقمية عديد من الجوانب. ويتمثل أحد هذه الجوانب في أن توفير خدمة الإنترنت في المنازل أو في المدرسة لا يزال محدودا للغاية. بل إن هذه الخدمة محدودة للغاية على نحو لا يمكن تصوره. وفي الدول المنخفضة الدخل، لا تتوافر خدمة الإنترنت في المنازل إلى لما يبلغ 10 في المائة فقط من الأطفال، ولا تزيد النسبة على 20 في المائة في المدارس. وفي كثير من الحالات، تكون الشبكة ضعيفة ومكلفة للغاية. في أمريكا اللاتينية، لا تتوافر أجهزة في المنازل إلا لما يبلغ 50 في المائة فقط من الطلاب. حتى في الدول المرتفعة الدخل، لا تتوافر الأجهزة لعديد من الأطفال، أو قد يشترك عديد من أفراد الأسرة في جهاز واحد. لكن الفجوة لا تتوقف عند الاتصال بالشبكة أو توفير الأجهزة. وما يؤسف له في بعض الأحيان، أن الاستثمارات في توفير الأجهزة لا يكون لها أي أثر حتى وإن كانت مفيدة، إذا لم يتوافر نظام قادر على دمج الأدوات الرقمية بسلاسة مع المناهج الدراسية.
وتتضح الفجوة الرقمية أيضا في نقص مهارات عديد من المعلمين. وسيتجه الناس الآن إلى الحلول الرقمية أكثر من ذي قبل، وستضطر بعض المدارس أو بعض الأنظمة إلى استخدام التكنولوجيا على نحو مفاجئ، وقد نجح بعضها ولا يزال البعض الآخر يحاول. وتتوافر تطبيقات جوجل كلاسروم أو زووم أو تيمز، لعدد من المدارس أكثر من ذي قبل. وسيدرك مزيد من المعلمين والطلاب إمكاناتهم، وقد تكون هذه التحولات دائمة. لكن عديد من المعلمين لم يكونوا مستعدين أو هم بالأحرى غير مستعدين، وبناء عليه من الضروري بذل جهود مضنية وبصفة عاجلة لتمكين هؤلاء المعلمين من مواكبة وتيرة التكنولوجيا المتسارعة.
ويتطلب سد الفجوة الرقمية تغييرا جوهريا، فالأمر لا يتعلق بالأجهزة والبرمجيات، فلن تحل التكنولوجيا محل المعلم أبدا، لكنها يمكن أن تزيد من فاعلية المعلم. وهناك أشياء لا يمكن للتكنولوجيا القيام بها، فمدة تركيز بعض الأطفال قصيرة، وهناك أطفال بحاجة إلى تحفيز وتشجيع، وما إلى ذلك، وبالتالي ينبغي إحداث توازن صحيح بين التكنولوجيا والعامل البشري عند الاستثمار في تعزيز المهارات الرقمية للمعلمين.
وهناك مصدر ثالث لعدم المساواة كشفته هذه الجائحة، ألا وهو أن التعليم لا يحدث فقط في المدرسة، لكن في المنزل. وقد تجلى ذلك فجأة خلال هذه الجائحة. فليس لدى جميع الأطفال منزل مستقر مع أبوين متعلمين أو لديهما حافز لتعليم أبنائهما. وليس لدى جميع الأطفال شبكة إنترنت أو حاسوب أو جهاز للاستخدام الخاص في المنزل. وليس لدى جميع الأطفال كتب في المنزل أو مكان لعمل الواجبات والدراسة. وهنا يجب تحقيق تكافؤ الفرص.
وقبل بضعة أشهر، كنا نناقش بالفعل كيف يعيش العالم أزمة تعلم. وأضحى خط الأساس حافلا بالتحديات وازداد عدم الإنصاف والمساواة بصورة درامية. وبالتالي، ينبغي لاستراتيجيات التعلم في الأشهر المقبلة، مع توجه أنظمة التعليم نحو الوضع الطبيعي الجديد، ألا تمنح الأطفال الآن تجربة تعليمية أكثر إنصافا وعدلا فحسب، لكن أيضا فرصة تعليمية أكثر شمولا تجعل الطالب أكثر قدرة على مجابهة الصعاب. وفي المدرسة، سيكون مزيج التعلم المباشر والتعلم عن بعد، حقيقة جديدة في واقع الحياة. ومع استمرار العملية التعليمية في المنزل، يلزم بذل جهد لتوفير الإنترنت والأجهزة للأطفال الفقراء. ويجب أن يكون لدى الأطفال كتب ومواد للقراءة في المنزل. وينبغي دعم الآباء وأولياء الأمور دعما كبيرا ليكونوا رقما مهما في معادلة تعليم أطفالهم.
ويجب إدراك أن العملية التعليمية تتحقق من خلال تعزيز دور المعلم باستخدام التكنولوجيا، وتضافر الجهود بين المعلمين وأولياء الأمور والمجتمع، وضمان حصول كل طفل على المساندة التي يحتاج إليها. ولن يكون هذا سهلا، بل سيتطلب قدرا كبيرا من التكيف من جانب جميع الأطراف الفاعلة في هذه العملية، فالأشياء الجيدة ليست سهلة المنال.