Author

الكمامة تنعش الاقتصاد

|
أثار الانتشار السريع لجائحة كورونا في الولايات المتحدة مخاوف مجددة من عودة الإغلاق الاقتصادي لأجزاء كبيرة من البلاد، مهددا بتوجيه ضربة قوية أخرى موجعة للاقتصاد الأمريكي الذي تراجع بنسبة 17 في المائة في الثلث الأول من 2020. دفعت هذه المخاوف عديدا من الجهات المسؤولة والمؤسسات المالية إلى التطرق إلى بدائل للإغلاق الاقتصادي، وأنه ليس السبيل الوحيد للتصدي للجائحة، فاستخدام وسائل السلامة والوقاية سيخفف كثيرا من وطأة المرض الاقتصادية وآثاره الصحية السلبية. في هذا المجال، أصدر مصرف جولدمان ساكس الاستثماري دراسة تقيم تجارب دول العالم والولايات المتحدة في استخدام الكمامة وآثارها في النشاط الاقتصادي. وخلصت الدراسة إلى أن استخدام الكمامة سيساعد الولايات المتحدة على خفض خسائرها الاقتصادية.
أثارت دراسة كبير الاقتصاديين في مصرف جولدمان ساكس كثيرا من الاهتمام في الأوساط الأمريكية. وتناولت الدراسة تأثير إصدار قانون يلزم الجمهور بلبس الكمامة في الاقتصاد الأمريكي. وتذهب الدراسة إلى أن الالتزام بلبس الكمامة سيكون بديلا عمليا عن إغلاق الاقتصاد الأمريكي. استخدمت الدراسة بيانات دول متعددة وولايات أمريكية حول معدلات الإصابة بعدوى كورونا المستجد وتشريعات لبس الكمامة، وخلصت إلى أن إصدار تشريعات أمريكية عامة على جميع أنحاء البلاد ملزمة بلبس الكمامة في المجال العام أو عند المخالطة، سيوفر ما يقارب 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي. ويوصي مركز الأوبئة الأمريكي حاليا بلبس الكمامة، ولكن لا توجد قوانين وطنية فيدرالية تلزم بلبس الكمامة وترك أمر الإلزام للولايات، حيث تطبقه 20 ولاية بينما تركت معظم البلاد على هواها.
رأى مختصون صحيون أن عدم الالتزام بمعايير التباعد الاجتماعي ولبس الكمامة وفتح الاقتصاد في الوقت نفسه، رفع معدلات الإصابة بوباء كورونا المستجد في الولايات المتحدة إلى مستويات قياسية. ويقدر مركز الأوبئة الأمريكي أن عدد الإصابات الفعلية في الولايات المتحدة يراوح بين ستة و24 ضعف الحالات المؤكدة. وهذا قد يرفع عدد الإصابات الفعلية في الولايات المتحدة، حاليا، إلى نحو 50 مليون حالة، إذا صحت هذه الفرضية.
تقدر الدراسة بأن إصدار تشريع عام بوضع الكمامة في أرجاء الولايات المتحدة كافة سيرفع عدد الملتزمين بوضعها بنحو 25 في المائة خلال شهر. وتظهر البيانات التي تطرقت إليها الدراسة أن الدول والولايات التي ألزمت سكانها بلبس الكمامة تراجعت فيها معدلات الإصابة بالعدوى مقارنة بالدول والولايات التي تساهلت في مسألة ارتداء الكمامة. وتشير بيانات الدراسة إلى أن معدلات الإصابات العامة في الدول والولايات التي ألزمت سكانها بلبس الكمامة كانت 7.3 في المائة أسبوعيا، بينما عانت الدول والولايات غير الملزمة من معدلات نمو أسبوعية وصلت إلى 17.3 في المائة. وعانت الدول والولايات غير الملتزمة أيضا من معدلات وفيات أكثر، حيث شهدت معدلات الوفيات في الدول والولايات الملتزمة نموا أسبوعيا بنحو 16 في المائة، بينما عانت الدول والولايات الأخرى معدلات نمو أسبوعية وصلت إلى 29 في المائة. ويستنتج معد الدراسة من البيانات أن معدلات العدوى اليومية في الولايات الأمريكية الملزمة بلبس الكمامة كانت بحدود 0.6، بينما وصلت في الولايات غير الملزمة إلى نحو 1.6.
دراسة مصرف جولدمان ساكس تركز على الجانب الاقتصادي في قضية لبس الكمامة. أما في الجانب الصحي، فتؤيد دراسات طبية متعددة إيجابية لبس الكمامة في الحد من انتشار عدوى كورونا المستجد، وتنصح العامة بارتدائها عند الاختلاط بآخرين، وخصوصا في التجمعات. ولكن يحذر علماء وبائيات من فصل تأثير لبس الكمامة عن معايير الوقاية الأخرى، حيث ينبغي الأخذ بجميع الاحتياطات الأخرى. وقد تكون الدول التي أصدرت أوامر بلبس الكمامة أكثر حرصا على معايير السلامة الأخرى، كتطهير وتعقيم الأماكن العامة والخاصة، والتباعد الاجتماعي، ومنع التجمعات الكبيرة، وغسل الأيادي باستمرار. من جهة أخرى، قد يسهم إلزام الناس بلبس الكمامة في تنبيههم باستمرار إلى استخدام أساليب الوقاية الأخرى أيضا. وشدد المختصون على أهمية أخذ الاحتياطات كمجموعة حيث سيساعد ذلك على الحد من العدوى والخسائر البشرية والاقتصادية، وكذلك على أهمية رصد الحالات ومتابعتها والإبلاغ عنها.
على الرغم من أن هناك دراسات عديدة تؤكد فعالية ارتداء الكمامة في خفض معدلات الإصابة بعدوى كورونا المستجد إلا أن هناك معارضين كثرا لفرض لبسها في عدد من الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة والبرازيل، ويذهب بعض المعارضين إلى درجة تسييس مسألة لبس الكمامة لأسباب واهية بينما هي مسألة صحية بحتة. ولعل كثرة انتشار العدوى والضحايا في هاتين الدولتين تثبت بحد ذاتها جدوى سن أنظمة ملزمة بلبس الكمامة وإجراءات السلامة والاحترازات الأخرى. في المقابل، نجحت تايوان وسنغافورة وكوريا الجنوبية في تجنب الإغلاق الاقتصادي وخفض الوفيات والحالات المرضية بسبب تميزها وسرعتها في تبني الإجراءات الوقائية والقطاعات الصحية المتميزة ومتابعة الحالات والبنية الرقمية الكفؤة. وفي ضوء وجود مخاوف كبيرة من حدوث موجة وبائية ثانية قد تكون أكثر إيلاما في الخريف والشتاء المقبلين، فإن الالتزام بلبس الكمامة ووسائل الوقاية الأخرى وأبرزها التباعد الاجتماعي ومنع التجمعات الكبيرة ومتابعة الحالات سيجنب العالم كثيرا من الألم والضحايا، ويخفض الحاجة إلى إغلاقات كلية أو جزئية في الدول الملتزمة، ما سيساعد العالم على تجنب خريف اقتصادي مؤلم أشد من الذي مضى.
إنشرها