في بكورها

يأتي مع الصيف مجموعة من محفزات الغضب والنكد، أهمها درجات الحرارة المرتفعة، التي تصل إلى الخمسينيات في أغلب مدن المملكة والخليج. هذا الجو الغاضب يعكس نفسه في سلوك وتعامل كثير من الناس. لذا، قيل سابقا، إن سكان المناطق ذات المناخ القاسي، صيفا وشتاء، يعانون تبعات بيئتهم، ويأتي ضمن ذلك التصحر، الذي ينفذ إلى كل مكان ويؤثر في كل الناس، ما لم تنفق المبالغ الباهظة أو تستخدم التقنية المتقدمة في مقاومته.
نشاهد النتائج في التعامل اليومي مباشرة، وأغلبه في حالات قيادة السيارات الغاضبة، حيث يمتطي الواحد منا صهوة سيارته ويصبح في عجلة من أمره، فيحاول أن يسبق كل من حوله، ويغضب إن سبقه غيره، بل تتحول قيادة السيارة إلى حالة من فقدان الأعصاب ومحاولة الفوز، وكأن الواحد في سباق الراليات.
مع كل هذا، تختفي المجاملة عند إشارات المرور ومواقع الانعطاف، حيث يحاول الجميع التخلص من المعوق الكبير، المتمثل في دقيقتي الانتظار عند إشارة المرور، فهي تؤثر في البرنامج اليومي "الحافل" للواحد منا! أحسنت الجهات المرورية إذ جعلت عقوبة قطع الإشارة كبيرة، لما له من أثر خطير في الناس، وما سببه في السابق ويسببه من مخاطر تصل إلى حالات الدهس والتصادم المباشر.
الأريحية واللطف اللذان نحتاج إليهما، يجب أن يكونا جزءا من السلوك المجتمعي، الذي يشاهده الصغار في آبائهم، وإلا فإنهم سيعيدون العمليات المسرحية الغاضبة نفسها، التي يشاهدونها من قبل آبائهم وأمهاتهم، بل قد تسهم مرحلة المراهقة في ترسيخ الحالة المزاجية التي توجه صاحبها نحو أذية الآخرين في الشوارع.
على أن الطرق ليست المسرح الوحيد للتعامل الغاضب هذه الأيام، فالتواجد في أي مكان مزدحم، هو بمنزلة عود الثقاب الذي يشعل الخطاب والنظرات والأيدي والأقدام، وقد أسهمت جائحة كورونا في التقليل من ذلكم الاحتكاك بحكم منع الأعداد الكبيرة من التواجد في المكان نفسه حرصا على السلامة والوقاية للجميع.
الغضب، الذي يمكن أن يحفز نحو تغيير الممارسات والعلاقات حتى أوقات النوم والحركة، هو ما جعلني أعود إلى البحث عن أفضل الأوقات للحركة المباركة البعيدة عن التزاحم، الذي يؤجج حالات الغضب، لأجد المجتمع في أغلبيته في حالة سبات أول النهار. هنا اكتشفت أن الواحد يمكن أن يتعايش ويتفاهم مع الآخرين بسهولة في بدايات النهار وبعيدا عن نهاياته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي