default Author

السياسة الاقتصاد وفهم الحكومات والمجتمعات

|
تضطلع المؤسسات السياسية بدور الوسيط في مواجهة ضغوط الدوائر الانتخابية على القادة. حتى في النظم الحكومية، يجب أن يهتم الحكام لو بجزء من الرأي العام. ويطلق خبراء الاقتصاد السياسي على هذا الجزء اسم "الشريحة الانتخابية المنتقاة"، أي الشريحة السكانية التي تحظى باهتمام صناع السياسات. وفي النظام السياسي، قد تكون هذه الشريحة نخبة اقتصادية ما أو جهات سياسية أخرى. أما في النظم الحكومية الانتخابية، فتتكون هذه الشريحة من الناخبين والمجموعات ذات المصلحة. وأيما كانت هذه الشريحة، يحتاج صناع السياسات إلى تأييدها للبقاء في مناصبهم.
وفي الأنظمة العامة، تتحكم المؤسسات الانتخابية المختلفة في تأثير الضغوط التي يفرضها الناخبون في صناع السياسات. ويمكن أن تساعد الأحزاب السياسية المنظمة على استمرار السياسيين فترة أطول في مناصبهم. فالسياسي غير المنتمي إلى أي حزب قد تشغله الانتخابات التالية فحسب، بينما يتعين أن يعبأ الحزب بسمعته على المدى الأطول. وفي الحالات التي يشترك فيها البلد كله في انتخاب سياسييه، ينصب التركيز على السياسة الوطنية. أما عندما يمثل السياسيون مناطق جغرافية أضيق نطاقا، كما هو الحال في مجلس النواب الأمريكي، يكون الفكر العام السائد، وهي عبارة تنسب عادة "جميع السياسات محلية" إلى تيب أونيل، الرئيس الديمقراطي لمجلس النواب خلال السبعينيات والثمانينيات. وحسب النظام الانتخابي المطبق، تركز السياسات بدرجة أكبر إما على الشأن الوطني وإما على الشأن المحلي.
وتؤثر المؤسسات الانتخابية في هوية المواطنين الذين يرغب السياسيون في اجتذابهم للفوز في الانتخابات. فالمجمع الانتخابي الأمريكي يولي الأولوية في الانتخابات الرئاسية للناخبين المتأرجحين في ولايات الغرب الأوسط الأمريكي من خلال التركيز على توفير الحماية للصناعات التحويلية.
وفي النظام البرلماني متعدد الأحزاب، قد يكون الناخبون المحوريون هم مؤيدو حزب صغير يمكن أن يتأرجح رأيه بين شركاء الائتلاف، مثل الأحزاب المتطرفة التي تضطلع بدور مهم في تشكيل الحكومات في بعض الدول. وأيما كان الناخبون المحوريون في النظام الانتخابي، سيكون لهم نفوذ كبير في الأغلب على النظام السياسي والسياسات.
وتعد طبيعة المؤسسات التشريعية مهمة أيضا. فعلى سبيل المثال، يستطيع النظام البرلماني الوحدوي إحداث تغييرات كبيرة وسريعة، بينما تكون وتيرة التغيير أكثر اعتدالا وتباطؤا في النظام الأمريكي القائم على فصل السلطات.
وتمنح النظم الفيدرالية - في أستراليا والبرازيل وكندا وألمانيا والولايات المتحدة - سلطات واسعة لحكومات المقاطعات أو الولايات، بينما تسمح النظم المركزية للحكومة الوطنية بالحكم دون أي تدخل. كذلك قامت بعض الحكومات بتفويض أجهزة مستقلة أقل عرضة للضغوط السياسية المعتادة لإدارة بعض السياسات المهمة - مثل البنك المركزي وهيئات الصحة العامة.
وتحظى هذه المؤسسات بأهمية كبيرة، نظرا إلى أنها تؤثر في الأوزان النسبية التي يعطيها السياسيون لمختلف المجموعات في المجتمع. فبعض المؤسسات الاجتماعية السياسية تمنح نفوذا كبيرا للنقابات العمالية، بينما يميز البعض الآخر المزارعين، وتسيطر رابطات الأعمال على مؤسسات أخرى. ويحلل خبراء الاقتصاد السياسي المصالح المؤثرة وكيفية انتقالها وتحولها إلى سياسات حكومية من خلال مؤسسات المجتمع. ينشغل صناع السياسات الاقتصادية أو المراقبون أو حتى المواطنون العاديون المهتمون بالشأن الاقتصادي بالقضايا التي أوردناها آنفا، نظرا إلى أنها قد تغير بدرجة كبيرة من طريقة النظر إلى المشورة بشأن السياسات. ومن الممكن ألا تكون السياسات التي يشير التحليل الاقتصادي إلى أفضليتها لمصلحة الاقتصاد مجدية. فكما أشرنا سابقا في سياق الحديث عن التجارة الحرة، يوصي جميع الاقتصاديين تقريبا بإزالة جميع الحواجز التجارية من جانب واحد، وهو الخيار الأفضل في الدول الصغيرة. لكن يكون من المؤكد أن أي حكومة تحاول فتح الباب أمام التجارة الحرة من جانب واحد ستواجه معارضة شديدة من المجموعات ذات المصلحة الخاصة، ومن عديد من فئات الشعب التي ستعد هذه الخطوة خطيرة. وقد يؤدي ذلك إلى انهيار الحكومة وإحلال حكومة أخرى محلها يمكن الاعتماد عليها في الحفاظ على الحواجز التجارية أو تشديدها. وفي هذه الحالة، قد يؤدي انتهاج أفضل سياسة ممكنة إلى نتيجة أسوأ كثيرا.
ويبدو الأمر أكثر منطقية لو تم أخذ الواقع الذي تواجهه الحكومة في الحسبان وصياغة الطرق بما يتسق مع هذا الواقع. لذلك، يعد ثاني أفضل خيار هو الخيار الأفضل بدلا من الإصرار على الخيار الأمثل الذي يؤدي بنا إلى حال أسوأ في نهاية المطاف، أو كما جاء في الحكمة الشعبية، أن المثالية عدو النجاح.
إن الاقتصاد السياسي هو تحليل المجتمع الحديث من خلال إطار يجمع بين العوامل الجيوسياسية والاقتصادية. وبما أننا جميعنا تقريبا متفقون على وجود ارتباط معقد بين السياسة والاقتصاد لا يمكن معه فصل أحدهما عن الآخر - نظرا إلى أن السياسة تؤثر في الاقتصاد، والاقتصاد يؤثر في السياسة. هذا المنهج يبدو طبيعيا، فقد ثبتت فاعليته في فهم الحكومات والمجتمعات، كما يمثل أداة فاعلة للراغبين في تغيير الحكومات والمجتمعات. وينبغي في الوقت الحالي أن يعي صناع السياسات هذه الدروس المهمة في تعاملهم مع جائحة كوفيد - 19.
إنشرها