default Author

التفاعلات بين الاقتصاد والسياسة «1من 3»

|
تعكس جائحة كوفيد - 19، بوضوح شديد، التقاطع بين السياسة والاقتصاد واعتبارات أخرى. فقد كان خبراء الصحة العامة قد حذروا منذ وقت طويل من أن العالم قد يشهد جائحة كبيرة، ودعوا إلى مزيد من الجاهزية لمواجهتها. غير أن صناع السياسات الذين يتعين عليهم التركيز على الانتخابات التالية، يواجهون صعوبة في استثمار ما يلزم من وقت وأموال ورأسمال سياسي للتصدي لأزمة مستقبلية لا تعدو كونها احتمالية مجردة. لذلك، لم تكن معظم دول العالم مستعدة لمواجهة تهديد عالمي للصحة العامة في حجم أزمة فيروس كورونا المستجد. وبينما تفشت الجائحة بسرعة عبر دول العالم، ظلت استجابة السياسات متباطئة بسبب الواقع السياسي. وقوبلت توصيات خبراء الصحة العامة بمعارضة من جانب بعض المواطنين وصناع السياسات أملا منهم في إرخاء القيود وعودة الأوضاع إلى طبيعتها قبل انتهاء الخطر. وفي الوقت نفسه، ضغط أصحاب الشركات من أجل الحصول على استثناءات لخدمة مصالحهم والاستفادة من الدعم الكبير المتاح - خطط الإنقاذ - لمساعدتهم خلال هذه الشدة. وعلى المستوى الدولي، تعكس استجابة الحكومات للجائحة الجانب السياسي المعقد للتعاون العالمي. وتتطلب الجوائح العالمية استجابة عالمية: فالميكروبات لا تحترم الحدود. لذلك، فإن أفضل وسيلة - بالطبع - لمواجهة أزمات الصحة العامة الدولية الطارئة تكون من خلال تنسيق الاستجابة الدولية، لكن تحت ضغط الناخبين، حال صناع السياسات دون وصول الموارد إلى الدول الأخرى، ومنعوا تصدير الأغذية والأدوية، وقاموا بتخزين السلع الأساسية. ويفرض كل من هذه الإجراءات التي قد تحظى بقبول المواطنين في مختلف الدول، تكلفة على الدول الأخرى. وحسب التحليل النهائي، تؤول الأمور إلى الأسوأ في جميع الدول في حالة انعدام التعاون بينها. وتحاول المؤسسات الدولية، مثل منظمة الصحة العالمية، تنسيق استجابة عالمية تعاونية تجاه الأزمة العالمية، لكنها تقف عاجزة أمام الضغوط السياسية القومية القوية. وتواجه كل حكومة قرارات صعبة في سياق اتخاذ الإجراءات الملائمة: ما القيود التي يتعين فرضها؟ ومتى يمكن إرخاؤها؟ وما أوجه الصرف اللازمة؟ وكيف سيمكن جمع النقود؟ وما المخاوف الوطنية التي يمكن تحجيمها لمصلحة التعاون الدولي؟ يجب أن تراعي هذه القرارات توصيات الصحة العامة، والاعتبارات الاقتصادية، والمعوقات السياسية. ومثلما اختلفت استجابة السياسات للأزمة المالية خلال الفترة 2007 - 2008 من بلد إلى آخر، فإن الأوضاع الاقتصادية السياسية المحلية، تختلف استجابة للسياسات الوطنية لجائحة كوفيد - 19 لأسباب صحية واقتصادية وسياسية. وحول الدور المحوري للسياسة، فإن الخلاف المحتدم حول استجابة السياسات لهذا التهديد العالمي، ليس جديدا على خبراء الاقتصاد السياسي، بل هو أمر دائم الحدوث. فعلى سبيل المثال، يؤمن جميع الاقتصاديين أن الدول الصغيرة ستشهد تحسنا في الأوضاع إذا ما أزالت جميع الحواجز التجارية. غير أن مفهوم التجارة الحرة أحادية الجانب لم نسمع به من قبل في الواقع العملي، ولا يطبق في أي من دول العالم في الوقت الحالي. لم لا؟ وبوجه أعم، لماذا تواجه الدول صعوبات كثيرة في تطبيق السياسات الاقتصادية الصحيحة؟ ولماذا تغفل غالبا مشورة المراقبين والمحللين والعلماء المستقلين؟ السياسة هي الإجابة المعتادة، وهي إجابة صحيحة عادة، لكنها تنطوي على قدر كبير من الغموض والالتباس كما لو كنا نقول إن الدول بعضها غني وبعضها فقير بسبب الاقتصاد. كيف تثني السياسة - تحديدا - الحكومات عن صنع سياسات أفضل، حتى في مواجهة الأزمات الوشيكة؟ وكيف يمكن أو كيف ينبغي صنع السياسات الاقتصادية في ضوء ما سبق؟ يدور مفهوم الاقتصاد السياسي حول كيفية تأثير السياسة في الاقتصاد. وتحاول الحكومات دفع عجلة الاقتصاد قبل الانتخابات، حيث تنشأ فترات هبوط وارتفاع في النشاط الاقتصادي قرب انعقاد الانتخابات، أو ما يطلق عليه الدورات الاقتصادية السياسية. وبالمثل، تؤثر الأوضاع الاقتصادية تأثيرا قويا في الانتخابات. فقد أشار خبراء الاقتصاد السياسي إلى حقيقة بسيطة ومقلقة ربما، وهي أن معدلات النمو الاقتصادي والتضخم هي المعلومات الوحيدة التي نحتاج إليها للتنبؤ بنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية في آخر 100 عام بدقة كبيرة، فلماذا لا تدفع الانتخابات السياسيين إذن إلى اختيار أفضل السياسات؟ ومن المبادئ الاقتصادية الأساسية أن أي سياسة تعود بالنفع على المجتمع كله، يمكن تطويعها لتعود بالنفع على كل فرد من أفراد المجتمع، حتى لو أدت إلى مكاسب للبعض وخسائر للبعض الآخر. ولا يتطلب ذلك سوى فرض قدر من الضرائب على الفائزين لتعويض الخاسرين، ليصبح الجميع أفضل حالا في نهاية المطاف. ويستخدم الاقتصاديون أدوات فاعلة لاستكشاف السياسات الاقتصادية الأفضل لمصلحة المجتمع... يتبع.
إنشرها