إعادة تأسيس

في خط التداخل بين الأساسي والثانوي من أساليب المعيشة والإنفاق، يتربص بالمرء الهاجس الاجتماعي "الشكلي"، بسبب ما يمكنني تسميته الاعتياد على نمط أفرزته الطفرات المالية، ولم تغربله مراحل التقشف أو انحسار الدخل التي كانت بينها.
يمكن أن أنطلق بأمثلة صغيرة بينتها فترات المنع الكلي والجزئي، كما يمكن أن أرتكز على التجارب الشخصية التي أخرجت كثيرين من أوهام الاعتماد على المال فقط للحصول على منتجات أو خدمات.
أقرب الأمثلة وأبسطها كان في العناية الشخصية، صالونات الحلاقة للرجال، والتزيين للنساء، فهذان النشاطان مغلقان لنحو ثلاثة أشهر. الإغلاق الذي فتح أعين الناس على الواقع، وعقولهم على الفارق الذي لم يجدوه كبيرا أو كثيرا في مظاهرهم.
لا بد أن أسجل التعاطف أولا مع مجموعة محددة من أصحابها، أولئك الذي يملكون أو يديرون فعليا هذا النشاط، خصوصا في صالونات الحلاقة التي نعرف أن أغلبها عبارة عن تستر تجاري، أو نظام فتح المحل باسم السعودي وتأجير الكراسي بمقابل شهري على الحلاقين. التعاطف معهم بسبب الخسائر المتوقعة، لكن ليس هناك مجال للتهاون مع إغلاق محالهم لأن نسبة المخاطرة عالية جدا في هذا النشاط.
قص أو حلق أغلبية الرجال شعورهم ولحاهم وشواربهم، وصبغت واستشورت أغلب السيدات والآنسات شعورهن، ونفذوا منزليا بمفردهم أو بمساعدة أحد أفراد الأسرة ما يحتاجون إليه، وفازوا بالصحة والنظافة وتوفير المال، لم تتغير انطباعات الناس عنهم، ولم يستنكر أحد عليهم أشكالهم، والبعض حصل على تجارب مسلية وفعاليات منزلية خففت من "الطفش".
كثيرون قاموا بأشياء صغيرة أخرى كانوا يستدعون إليها عاملا كل مرة. إصلاحات بسيطة، تعديلات معينة، صبغ حائط، تغيير مصباح، وتنسيق حديقة منزل، إلى آخر قائمة طويلة اتسمت دوما بالاتكال على الغير، وبإنفاق المال.
من سافر إلى بعض الدول يجد أنه يمر بشارع كامل لا يجد صالون حلاقة، وإذا وجده يكتشف أن حلاقة الوجه ممنوعة لأسباب صحية، وأن قص الشعر مكلف نسبيا قياسا لما اعتاد عليه في شوارعنا التي تمتلئ بمثل هذه المحال، ويمكن أن أطلق تحديا أن تجد شارعا تجاريا داخل أي حي لا يوجد فيه أكثر من حلاق.
"الإصلاح الكوروني" للعادات وأنماط العيش - إن صحت التسمية - يعيد تأسيس تجاربنا الشخصية، وأتوقع أن نسبة غير يسيرة لن تعود إلى سابق عهدها، فقد وجدت لذة النظافة والأمان وتوفير المال، والاعتداد بالنفس في كثير من الأشياء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي