الطاقة الشمسية مستقبل المملكة
يجب أن نعترف بأن جائحة كورونا قدمت للبشرية دروسا مهمة، يتعين على الإنسان أن يضعها في مقدمة أولوياته، كي تستمر الحياة ويعيش الإنسان فوق كوكب الأرض بسلام وأمان واطمئنان.
إن الحرص على الأخذ بكل ما يوفر بيئة نظيفة يجب أن يكون في مقدمة الخيارات المطروحة للعيش فوق هذا الكوكب، الذي بات يضيق ذرعا بعمليات التلويث والتوسيخ التي مارسها الإنسان - بشراسة - فوق هذا الكوكب حتى أصبحت الحياة مهددة بالانقراض.
لقد ثبت أن حظر سير المركبات والقطارات، وقفل الأجواء أمام الطائرات، وإيقاف هدير المصانع، وفر مناخا نظيفا فوق كوكب الأرض، وأصبح الإنسان يستنشق هواء نقيا خاليا من الغازات والانبعاثات التي كانت تصدر (أرض جو) من وسائل المواصلات والمصانع حتى أصبح كوكب الأرض مكانا مناسبا للأوبئة والفيروسات القاتلة.
إن الاستغناء عن الطاقة الملوثة للبيئة بات أمرا من الأمور التي يجب أن تحتل المادة الأولى في دستور الحياة، كما أن البحث عن موارد بديلة ونظيفة للطاقة بات من الأمور الحتمية حتى ينعم الإنسان بحياة رغيدة وهنية وكريمة.
وتعد الطاقة الشمسية من أهم موارد الطاقة التي بدأت تشكل المصدر الأهم للطاقة البديلة، وبدأ العالم يتجه إلى الطاقة الشمسية وطاقة الرياح كموردين للطاقة البديلة النظيفة، ومن حسن الحظ أن السعودية تتمتع بمزايا فريدة في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، نظرا لموقعها في نطاق النظام الشمسي العالمي. ويعد المشروع الذي وقعه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في 2018 مع ماسايوشي سون رئيس مجلس إدارة صندوق رؤية سوفت بنك من أكبر مشاريع الطاقة الشمسية على مستوى العالم.
ومن دون مبالغة فإن مشاريع البرنامج الوطني للطاقة المتجددة في السعودية يعد برنامجا طويل المدى متعدد الأوجه، ومصمما لتحقيق التوازن في مزج الطاقة الكهربائية والوفاء بشروط موارد الطاقة النظيفة، لتجنب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري الأخرى تمشيا مع رؤية السعودية 2030، حيث يهدف البرنامج إلى زيادة حصة الطاقة المتجددة بنسبة كبيرة مع الاحتفاظ بشروط الطاقة النظيفة.
ولقد تواصلت مشاريع الطاقة الشمسية وأطلق مكتب تطوير مشاريع الطاقة المتجددة في تموز (يوليو) 2019 المرحلة الثانية من البرنامج الوطني للطاقة المتجددة التي تألفت من ستة مشاريع للطاقة الشمسية الكهروضوئية بسعة إجمالية تصل إلى 1,470 ميجاواط.
وقد ثبت من البحوث التي أجرتها الجامعات السعودية أخيرا أن الطاقة الشمسية من أفضل أنواع الطاقة على وجه الأرض لعدة اعتبارات، فهي طاقة صديقة للبيئة ونظيفة لا تحدث تلوثا عند استخدامها، وهي طاقة مستمرة وباقية ما دامت الحياة، يضاف إلى ذلك أنها طاقة مجانية ومتوافرة في جميع الأراضي التي تسقط عليها أشعة الشمس، كما أنها طاقة عالية الحرارة.
ومن نعم الله علينا أن مخزون السعودية من الطاقة الشمسية يفوق مخزون أي دولة أخرى في العالم، ولهذا يمكننا تأكيد أن السعودية ستظل - بعد النفط - في مركزها كدولة رائدة ومصدرة للطاقة، وستكون الطاقة الشمسية هي إحدى الثروات الطبيعية التي أغنى الله - سبحانه وتعالى - بها هذه البلاد الخيرة.
وهذا يعني أن السعودية كانت تتحسس - منذ زمن بعيد - التهديدات التي كانت تتهدد البترول، وأنها اتخذت الخطوات الإيجابية باتجاه البحث عن بدائل للطاقة، وستكون الطاقة الشمسية هي المصدر الأول للطاقة في مرحلة ما بعد كورونا.
صحيح أننا في مرحلة ما قبل كورونا لم نكن متعجلين ونشطين بالقدر الكافي إزاء البحث عن موارد متجددة للطاقة. إلا أن الوقت ما زال بين أيدينا، وقد اتخذت أخيرا مؤسسة الملك عبدالله للطاقة البديلة والمتجددة خطوات إيجابية متقدمة ستعوضنا ما فاتنا من وقت.
إن السعودية أعدت خطة مفصلة لتوليد الكهرباء من خلال الطاقة الشمسية ستضع البلاد في 2032 في مصاف أكبر خمس دول منتجة للطاقة الشمسية في العالم.
ومقارنة بألمانيا التي تعد إحدى الدول المتقدمة في استخدام الطاقة الشمسية، فإن معدل الإشعاع العادي المباشر يوميا يصل إلى 3,39 كيلوواط ساعة لكل متر مربع، بينما معدل الإشعاع العادي المباشر في الرياض يبلغ 6,68 كيلوواط ساعة، ويصل إلى 8,60 كيلوواط ساعة في جدة على ساحل البحر الأحمر.
وفي ضوء هذه المشاريع العملاقة للطاقة الشمسية فإن السعودية نجحت في تحقيق تقدم ملحوظ في مؤشر الطاقة الشمسية العالمي، عندما قفزت مركزين متقدمين في قائمة مؤشر الطاقة الشمسية العالمي، وبلغت المرتبة الـ 12 بعد أن كانت في المركز الـ 14 عالميا، يأتي ذلك في الوقت الذي تسعى فيه المملكة إلى الاستمرار في مركزها كدولة مصدرة للطاقة، وستكون الطاقة الشمسية هي البديل الأنسب والأجود الذي سيحل محل موارد النفط.
إن الطاقة الشمسية - في مرحلة ما بعد كورونا - ستكون الحصان الأسود في حلبة السباق الدائر بين الدول في مجال البحث عن مصادر جديدة ونظيفة للطاقة، وأهم الأسباب أنها طاقة متاحة مجانا في معظم دول العالم، ومنها أنها طاقة تتوافر فيها أهم شروط الطاقة النظيفة.