مؤشرات ومحددات الرفاهية الاقتصادية والتقدم
سيشهد جميع دول العالم زيادة في أعداد المسنين، ولكن ستكون هناك فروق شاسعة في وتيرة هذه الظاهرة بين الدول. وتأتي اليابان في المقدمة حاليا، حيث تبلغ نسبة السكان 28 في المائة ممن هم في سن الـ 65 أو أكبر، أي أعلى من المتوسط العالمي بثلاثة أضعاف. وبحلول 2050، سترتفع نسبة السكان المسنين في 29 دولة وإقليما على مستواها الحالي في اليابان. وفي واقع الأمر، ستتجاوز نسبة المسنين في كوريا في النهاية مثيلتها في اليابان لتصل إلى 38.1 في المائة، وهو مستوى غير مسبوق تاريخيا. كذلك فإن متوسط الأعمار في اليابان "48.4" هو الأعلى حاليا مقارنة بأي دولة أخرى، ويزيد على متوسط الأعمار، في إفريقيا "19.7" بأكثر من ضعفين. ولكن في 2050 يتوقع أن تتقدم كوريا بمتوسط أعمار"56.5" على اليابان "54.7" أيضا على ذلك المقياس. ومنذ ثلاثة عقود، كانت نسبة السكان من المراهقين والشباب "15 إلى 24 عاما" أعلى من نسبة السكان الأكبر سنا بأكثر من ثلاثة أضعاف. وبعد ثلاثة عقود من الآن، ستنتقل جميع هذه المجموعات العمرية تقريبا إلى مرحلة كبار السن. وحسب مجموعات الدخل، ستشهد الدول المصنفة حاليا ضمن مجموعة الدخل المتوسط أعلى نمو في أعداد المسنين. وهو أمر غير مستغرب نظرا لأن هذه الدول تشكل 74 في المائة من سكان العالم.
ولكن الأمر الذي يدعو إلى الاستغراب هو أن نسبة السكان الأكبر سنا في الدول متوسطة الدخل تنمو بمعدل أسرع مقارنة بالدول منخفضة الدخل ومرتفعة الدخل. علاوة على ذلك، ومقارنة بالدول مرتفعة الدخل، يتوقع للدول المصنفة حاليا في المجموعة متوسطة الدخل أن تسجل دخولا حقيقية أعلى عندما ترتفع نسب السكان الأكبر سنا إلى المستوى نفسه. ويتعارض ذلك مع الادعاء الشائع بأن الاقتصادات النامية ستصل إلى مرحلة الشيخوخة قبل أن تنضم إلى مصاف الدول الغنية. ولا يتمثل التحدي الأساسي الذي تواجهه الدول متوسطة الدخل في عدم كفاية الدخل المتاح لرعاية كبار السن، ولكنه يكمن في مدى فاعلية المؤسسات والسياسات في تعزيز الأمن الاقتصادي والاجتماعي بين كبار السن على نحو مستدام ماليا.
وتدق شيخوخة السكان ناقوس الخطر في جميع أنحاء العالم. وأصبحت مسألة زيادة الأعمار، وما إذا كانت ستؤدي إلى عيش الفرد لفترة أطول أم أقل في حالة هشة وضعيفة، من أهم التحديات التي تواجه صناع السياسات في القطاعين العام والخاص في جميع أنحاء العالم دون إيجاد حل لها حتى الآن. ولا يزال الاقتصاديون يعربون عن مخاوفهم إزاء الضغوط الخافضة للنمو الاقتصادي نتيجة نقص العمالة ورأس المال وتراجع أسعار الأصول في المستقبل نتيجة تزايد أعداد السكان الأكبر سنا الذين يقومون ببيع استثماراتهم لإعالة أنفسهم. وهناك قضية أخرى مهمة تتعلق بالضغوط على المالية العامة؛ فالخزانة العامة ستتكبد أعباء بسبب تنامي التزامات المعاشات، وتكاليف الرعاية الصحية والرعاية طويلة الأمد المرتبطة بالزيادة المتوقعة في معدل الإصابة بالأمراض المزمنة وانتشارها؛ كالسرطان وغيره. ومع ذلك، سيكون من الممكن موازنة هذه التحديات جزئيا من خلال القيمة المتزايدة، التي عادة ما يتم إغفالها، الناتجة عن مشاركة كبار السن في أنشطة إنتاجية غير سوقية، مثل العمل التطوعي وخدمات تقديم الرعاية. ونظرا لعدم وجود دروس تاريخية سابقة عن كيفية التعامل مع عالم يشهد مثل هذه الزيادة في أعداد كبار السن، يزداد عدم اليقين بشأن المستقبل الجماعي. غير أن التصدي للتحديات الناتجة عن زيادة أعداد المسنين بالنهج نفسه المعتاد التعامل به مع التحديات الأخرى سيكون خيارا غير مسؤول.
ويوجد عدد من الاستجابات التي يمكن الاستعانة بها للتخفيف من الأعباء الاقتصادية الناتجة عن شيخوخة السكان. وتتضمن هذه الاستجابات إصلاح السياسات بغرض تعزيز الاستدامة المالية والمساواة بين الأجيال في تمويل خدمات الرعاية الصحية ومعاشات التقاعد.
كذلك سيسهم في التخفيف من الأعباء رفع السن القانونية للتقاعد التي ظلت ثابتة نسبيا في جميع دول العالم تقريبا خلال العقود القليلة الماضية. وتعد سياسة الحوافز الضريبية الداعمة لزيادة الإنجاب من الخيارات الممكنة أيضا على المدى الطويل، ولكن تأثيرها في الخصوبة لم يثبت حتى الآن. ويوجد نهج آخر أيضا يتضمن العمل على زيادة تركيز نظم الرعاية الصحية على الاكتشاف المبكر للأمراض وعلى الوقاية منها، من خلال التوعية بمنافع النشاط البدني وتوفير الدعم اللازم لهذه الأنشطة على سبيل المثال. ويمكن المساعدة على التصدي لمشكلة نقص العمالة من خلال إرخاء الحواجز المؤسسية والاقتصادية المفروضة على الهجرة الدولية من المناطق التي توجد فيها نسبة كبيرة نسبيا من السكان في سن العمل. وأخيرا، من شأن الابتكارات التكنولوجية على الأرجح تحسين الآثار الناتجة عن شيخوخة السكان. ويعد استحداث عقاقير جديدة لإبطاء عملية الشيخوخة والحفاظ على صحة السكان لأعوام أطول، وابتكار أجهزة مساعدة مثل الروبوتات، مثالين من أمثلة عديدة على كيفية تحسين هذه الآثار.
ويمكن النظر أيضا في تطبيق ابتكارات مؤسسية؛ كاستحداث نماذج جديدة لتقديم خدمات الرعاية الصحية المنزلية، ونظم نقل عام، وتصميم مناطق حضرية، وأدوات مالية. شهدت المؤشرات الديموغرافية على مستوى العالم والمناطق والدول تغيرات هائلة منذ أوائل الخمسينيات، ومن المتوقع أن تطرأ عليها تغيرات مماثلة في العقود التالية.
ولا تزال ظاهرة شيخوخة السكان تشكل محور الاهتمام بين الظواهر الديموغرافية العالمية بعد أن كان التركيز ينصب على النمو السكاني. غير أن هاتين الظاهرتين وأسبابهما نتجت عنهما تبعات عميقة على مجموعة من مؤشرات ومحددات الرفاهية الاقتصادية والتقدم، وستستمر هذه التبعات في المستقبل. غير أن العوامل الديموغرافية لن تظل ثابتة، ولا كذلك انعكاساتها على الرفاهية الفردية والجماعية. وخلال العقود المقبلة، ستكون العوامل الديموغرافية مواتية بشكل أكبر لتحقيق الرفاهية الاقتصادية في المناطق الأقل تقدما عنها في المناطق الأكثر تقدما.