Author

توقع حدوث نقص في إمدادات النفط

|
ترتفع أسعار النفط مع تزايد خفض الإمدادات -سواء كان طوعيا، أو بسبب تكاليف الإنتاج العالية - مدعومة أيضا بتعاف طفيف في الطلب على النفط، مع بداية تقليص فترة الحجر الصحي وعودة الحياة تدريجيا، خاصة الأنشطة الاقتصادية، -قطاع النقل وغيرها-. حتى إن بعض المحللين في أسواق النفط حذروا من أن العجز في العرض قد يكون قريبا، وقد يتضخم في الأعوام المقبلة، بسبب الأضرار التي حدثت اليوم.
بالطبع لا يزال الطلب منخفضا بشكل حاد، لكن شهر نيسان (أبريل) يعد على نطاق واسع الأسوأ، حتى لو ظل الاستهلاك منخفضا في الأشهر المقبلة. يعمل عديد من الدول الأوروبية إلى جانب عدد من الولايات الأمريكية على تسهيل ضوابط البقاء في المنزل. رغم وجود بعض الشكوك المحيطة باتجاهات الإنتاج، إلا أن الأسواق تبدو مقتنعة بالفعل وسط تفاؤل اقتصادي متزايد بأن الطلب والأسعار ستتعافى بسرعة.
من المتوقع أن تكون عمليات إغلاق الإنتاج شديدة، خصوصا في الولايات المتحدة. حيث إن مستويات النشاط الحالية في تشكيلات النفط الصخري في الولايات المتحدة منخفضة للغاية، لدرجة أن تراجع الإنتاج سيتسارع دون حدوث انتعاش في عمليات حفر وإكمال الآبار. ويتوقع البعض تراجع إنتاج النفط الصخري بنحو 2.75 مليون برميل يوميا بحلول نهاية العام الحالي. لكن خسائر الإمدادات لن تأتي فقط من إنتاج النفط الصخري الأمريكي. بل سيعاني الإنتاج التقليدي في مناطق مختلفة في العالم، ويشكل الجزء الأكبر من إجمالي العرض العالمي، من انخفاض الأسعار، تأجيل الصيانة، وإغلاق العمليات عموما.
يمكن للانخفاض الكبير في إنتاج النفط العالمي، الذي قد يكون بعضه دائما، أن يمهد الطريق لدورة ارتفاع الأسعار المقبلة. في هذا الجانب، قال بنك جولدمان ساكس في تقرير له: "النشاط الأقل والتعافي التدريجي للطلب سيجعل من عام 2021 أكثر مبشر بانتعاش الأسعار". حيث يرى البنك الاستثماري أن أسعار النفط سترتفع إلى 65 دولارا للبرميل بنهاية العام المقبل.
أبعد من ذلك، يرى بعض المحللين عدم تطابق كبير بين العرض والطلب. حيث قال ريستاد إنرجي Rystad Energy في تقرير: "على الرغم من أن العالم يواجه حاليا ما يمكن وصفه بأنه أكبر تخمة نفطية مسجلة على الإطلاق، إلا أن ميزان العرض والطلب سيتحول بشكل كبير في الأعوام القليلة المقبلة".
مع محاولة جميع شركات النفط التعايش مع الوضع الراهن بعد انهيار أسعار النفط في آذار (مارس)، من المقرر أن تتأخر الاستثمارات في عمليات التنقيب والإنتاج الجديدة، لأن الشركات تتطلع إلى الحفاظ على السيولة وتجنب قطع الأرباح وهو ما فعلته للتو شركات النفط الكبرى مثل Equinor وShell لذا، بالفعل تراجعت الاستثمارات العالمية هذا العام. على خلفية انهيار أسعار النفط، في نهاية آذار (مارس) توقعت شركة ريستاد إنرجي أن تخفض شركات التنقيب والإنتاج الاستثمارات في المشاريع الجديدة إلى 131 مليار دولار، أو بانخفاض بنحو 68 في المائة على أساس سنوي، مقارنة بـ 192 مليار دولار في المشاريع، التي تمت الموافقة عليها عام 2019. ويضيف تقرير الشركة أن تراجع النشاط بصورة عامة وانخفاض الاستثمارات من قبل شركات التنقيب والإنتاج التي تركز حاليا على خفض التكاليف، إلى جانب انتعاش متوقع في الطلب العالمي على النفط، من المقرر أن يتسبب في عجز في العرض يبلغ نحو خمسة ملايين برميل يوميا عام 2025. وتقول ريستاد: إنها ترى أن أسعار خام برنت سترتفع إلى نحو 68 دولارا للبرميل بحلول عام 2025، لكنه قد يحتاج إلى الارتفاع أكثر بسبب احتمال نقص المعروض.
في الأغلب، من المرجح أن يتم سد الفجوة في الإمدادات من قبل أكبر المنتجين في "أوبك" - السعودية والعراق والإمارات -، ويمكن أن تسهم مجتمعة بما مجموعه ثلاثة إلى أربعة ملايين برميل يوميا لسد الفجوة المتوقعة البالغة خمسة ملايين برميل يوميا. ومن المحتمل أن يأتي الباقي من إنتاج النفط الصخري الأمريكي.
ومع ذلك، فإن التوقعات الخاصة بهذا النقص في العرض تتوقف بصورة كبيرة على انتعاش الطلب. في هذا الجانب قالت شركة ريستاد إنرجي: إن توقعاتها المرجعية base case للطلب على النفط تتمثل في النمو إلى 105 ملايين برميل في اليوم بحلول عام 2025، الأمر الذي يتطلب نمو الطلب بمقدار خمسة ملايين برميل في اليوم على مدى الأعوام الخمسة المقبلة.
هناك عديد من الأسباب التي قد تجعل ذلك التوقع مفرطا في التفاؤل. بالنظر إلى الركود الذي بدأ يتكشف، والانكماش الكبير المحتمل سيستغرق الأمر وقتا للتعافي مما فُقد في الأشهر القليلة الماضية. حتى إذا تمكنت الحكومات من إنقاذ الاقتصادات، فإن الآثار الدائمة في قطاع الطيران والقيادة، فضلا عن زيادة العمل عن بعد يمكن أن تمنع حدوث انتعاش كامل في الطلب على النفط. إذا أضفنا إلى ذلك التقدم المستمر في المركبات الكهربائية، ستكون النتيجة مزيجا من العوامل المثبطة لنمو الطلب على النفط.
حتى بعض المديرين التنفيذيين لشركات النفط بدأوا يخشون من ذروة الطلب. في هذا الجانب قال الرئيس التنفيذي لشركة رويال داتش شل: "نحن نتطلع إلى انهيار الطلب الكبير الذي لا نعرف حتى أنه سيعود، كي تعود أسعار النفط إلى الارتفاع". وأضاف "إذا كانت الكميات أقل بكثير، فسيبقى لدينا بالطبع عجز كبير في التدفقات النقدية للشركة."
على ما يبدو أن شركة ريستاد إنرجي ليست الوحيدة، التي تتوقع حدوث نقص في العرض وانتعاشا حادا في الأسعار. حيث أشار ستاندرد تشارترد إلى تسطح منحنى العقود الآجلة للنفط ويقول: إنه مسطح للغاية في نهايته الخلفية. وقال ستاندرد تشارترد: "نعتقد أن السوق تقلل من حجم الضرر الدائم للإمدادات". وأضاف البنك أن الأسعار طويلة الأجل تحتاج إلى الارتفاع من أجل تجنب نقص في الإمدادات على المدى المتوسط. في حين ذهب "جولدمان ساكس" أبعد من ذلك، حيث قال رئيس قسم السلع في البنك الاستثماري: إن الطلب على النفط قد يتجاوز العرض بحلول نهاية أيار (مايو) الجاري، مشيرا إلى أن هذا بسبب تخفيضات الإنتاج التي نفذها جميع المنتجين الرئيسين. لكنه أضاف هناك نحو 1.2 مليار برميل في الخزانات، ويجب أن يتم تخفيضها قبل أن تتحسن الأسعار بصورة نهائية.

إنشرها