ما التأثيرات الديموغرافية لجائحة كورونا؟

لا شك أن الحكومات والشركات وأصحاب الأعمال يواجهون تحديات كبيرة. ولكن التحديات أمام الحكومات أكبر لأنها هي المظلة المسؤولة عن الاقتصاد والصحة وغيرها من جوانب الحياة في المجتمع. فالحكومات تتطلب اتخاذ إجراءات فاعلة لبناء الوعي الصحي، وتنفيذ الإجراءات الوقائية، وزيادة الإنفاق على البنية الصحية وإدارة الطوارئ والأزمات وغيرها. هذه الإجراءات تتطلب الحصول على بيانات دقيقة ومتجددة عن انتشار الإصابة، وكفاءة الرعاية الصحية، واللقاحات، والاختبارات لتقييم الخيارات التي تؤثر في الحد من انتشار المرض، وخاصة بين الفئات الأكثر تعرضا للإصابة مثل كبار السن والأسر الفقيرة.
ولعل أول سؤال يتبادر إلى ذهن القارئ بعد قراءة عنوان المقال هو: هل سيكون لجائحة كورونا تأثير في الإنجاب؟ من المؤكد أن يكون هناك تأثير، ولكن من الصعوبة بمكان معرفة طبيعة هذا التأثير. فبالعودة إلى التاريخ، تشير الدراسات إلى أن الكوارث المحدودة أو المؤقتة، مثل الزلازل والعواصف والأعاصير أدت إلى تأثير إيجابي، أي زيادة ملحوظة في الإنجاب. ولكن الكوارث طويلة الأمد مثل الركود الاقتصادي كان تأثيرها سلبيا، أي نقص في الإنجاب أو الخصوبة، كما حدث في الولايات المتحدة – على سبيل المثال – بسبب الكساد العظيم في 1929 وأزمة النفط في عام 1973. وبوجه عام، من المتوقع أن يكون تأثير جائحة كورونا متفاوتا من دولة إلى أخرى.
إحصاءات الوفيات وطرق تسجيلها تظهر تفاوتا كبيرا من دولة إلى أخرى، فبعض الدول لا يربط حالة الوفاة بمرض "كوفيد - 19"، إذا كان المتوفى يعاني أمراضا مزمنة، حتى لو كان المتوفى مصابا بالفيروس، في حين أن بعض الدول يسجل الوفيات حسب أسبابها بدقة. ومن الواضح أن ارتفاع الوفيات في بعض الدول يتأثر بخدمات الرعاية الصحية، وكذلك نسب كبار السن، وهو ما يفسر ارتفاع الوفيات في معظم الدول الأوروبية التي تتجاوز فيها نسب كبار السن 20 في المائة، فنحو 70 في المائة من الوفيات هي بين الذين أعمارهم 65 عاما فأكثر. ولكن هناك مفارقات كبيرة في معدل الوفيات، ففي حين يرتفع إلى 400 وفاة لكل مليون نسمة في إسبانيا وإيطاليا وبريطانيا وفرنسا، وإلى 238 في الولايات المتحدة، فإنه ينخفض إلى 5 أو أقل في الهند وبنجلادش وباكستان والصين وكوريا الجنوبية واليابان. ومن الموضوعات التي تثير اهتمام كثيرين، ارتفاع الوفيات بين بعض الفئات السكانية، فمثلا يمثل السود ثلث سكان مدينة شيكاغو، ولكن نحو 70 في المائة من المتوفين بسبب كورونا في هذه المدينة هم من هذه الفئة، والأمر نفسه ينطبق على الوضع في ولاية ميشيجان وغيرها.
أما بخصوص الهجرة، فيمثل المهاجرون نحو 30 في المائة من السكان في كثير من الدول الأوروبية والخليجية، ويعاني بعضهم فقدان أعمالهم؛ ما يؤثر في الأسر التي تعتمد عليهم في دولهم، ويواجه بعضهم الآخر صعوبة في العودة إلى دولهم؛ ما يفاقم الأوضاع ويؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر.
من جهة أخرى، تعطلت أعمال التعدادات السكانية التي كان من المقرر تنفيذها خلال هذا العام في عشرات الدول، مثل: الولايات المتحدة، والسعودية، والإمارات، والبحرين، واليابان، وسويسرا، وماليزيا وغيرها، فمنها من قام بتأجيل العمليات التعدادية، ومنها من اتجه للتعدادات الإلكترونية والسجلات السكانية وخيارات أخرى.
وبعيدا عن التداعيات الاقتصادية للأزمة، يمتد تأثير كورونا إلى أمور حياتية كثيرة، فقد توقف عن التدخين أكثر من 300 ألف بريطاني خشية من خطر الوفاة بسبب الإصابة بفيروس كورونا. وهناك خشية في كثير من الدول من ارتفاع معدلات الفقر، والعنف، والانتحار، وكذلك قلق التأثير السلبي في الصحة النفسية، إلى جانب إحداث تغيرات كثيرة في أنماط الحياة لا نعرف عن طبيعتها حتى الآن.
وأخيرا أشعر بالاعتزاز بما يقدم من دعم للبحث العلمي في مجال كورونا في الجامعات السعودية بغية الوصول إلى لقاح أو علاج ناجع يخدم البشرية، ولكن لا تقل عن ذلك أهمية دراسة تأثير الجائحة في الجوانب الاجتماعية والإنسانية وأسلوب الحياة، خاصة أن الاستفادة متاحة من اللقاحات والأدوية التي يتوصل إليها الباحثون في العالم، ولكن فهم التأثيرات الاجتماعية والإنسانية في حياتنا ومجتمعاتنا سيُترك لنا فهمه ومواجهة التحديات الناتجة عنه. كما أتمنى أن تقوم وزارة الصحة بجمع بيانات دقيقة عن الإصابات والوفيات والاختبارات حسب الخصائص الديموغرافية والمكانية لإجراء دراسات تدعم القرارات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي