التنمية الاقتصادية والسكان في عام 2020 «3 من 3»

يعكس الهيكل العمري للسكان في الأساس معدلات الخصوبة والوفيات التاريخية. ففي الدول التي سجلت معدلات وفيات مرتفعة، عادة ما يكون التحسن في معدلات البقاء أكبر بين الأطفال، مقارنة بالفئات العمرية الأخرى. ويؤدي ذلك بالفعل إلى حدوث طفرة في عدد المواليد. وفي نهاية المطاف، تتوقف هذه الطفرة نتيجة تراجع معدلات الخصوبة، بسبب التحسن المتصور في معدل بقاء الأطفال على قيد الحياة، وانخفاض مستوى الخصوبة المرغوب مع زيادة وتيرة التنمية الاقتصادية. لكن مع انتقال مجموعة المواليد الكبيرة نسبيا إلى مرحلة المراهقة والدخول في أعوام البلوغ، تزداد نسبة السكان في سن العمل والادخار.
ويؤدي ذلك إلى تعزيز القدرة الإنتاجية للاقتصاد على أساس نصيب الفرد، ويفتح المجال أمام النمو السريع في مستويات الدخل والحد من الفقر. ويتضح من أحداث
العقد الماضي بدءا من الانتفاضات العربية حتى موجة الاحتجاجات الشعبية الأخيرة في تشيلي والسودان، فالدول التي لا تستطيع توفير عدد كاف من الوظائف لأعداد الشباب الكبيرة تصبح عرضة لعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
ويشير مصطلح "المكاسب الديموغرافية" إلى العملية التي يمكن للهيكل العمري المتغير أن يسهم من خلالها في تعزيز النمو الاقتصادي. ويتوقف ذلك بالطبع على عدد من العوامل المعقدة، بما في ذلك طبيعة التغير الديموغرافي ووتيرته، وآليات سوق العمل وسوق رأس المال، وإدارة الاقتصاد الكلي والسياسات التجارية، والحوكمة، ومراكمة رأس المال البشري. غير أن نموذج المكاسب الديموغرافية يمكن أن يعكس كثيرا من التفاوت في الأداء الاقتصادي في الماضي بين مختلف الدول والمناطق، "مثل شرق آسيا مقابل أمريكا اللاتينية مقابل إفريقيا جنوب الصحراء"، ويساعد على تحديد الأوضاع الأكثر والأقل ملاءمة للنمو الاقتصادي على مستوى الدول في المستقبل. فعلى سبيل المثال، يتوقع خلال الفترة من 2020 إلى 2030 أن تحقق نيبال والأردن وبوتان وإسواتيني المكاسب الأكبر على الإطلاق على مستوى العالم المرتبطة بنسب السكان في سن العمل وغير سن العمل.
وتقيس نسبة الإعالة العمرية، وهي النسبة العكسية لمن هم في سن العمل مقابل من هم في غير سن العمل الضغوط الاقتصادية، التي يواجهها المواطنون في سن العمل لإعالة المواطنين في غير سن العمل، إلى جانب إعالة أنفسهم. وفي عام 1990، انخفضت هذه النسبة بدرجة كبيرة في المناطق الأكثر تقدما عنها في المناطق الأقل تقدما "0,68 مقابل 1.04".
لكن بحلول عام 2020، ونتيجة لانخفاض معدل الخصوبة بأشكال مختلفة وزيادة أعداد المسنين، ارتفعت نسبة الإعالة العمرية إلى 0,70 في المناطق الأكثر تقدما وتراجعت إلى 0,75 في المناطق الأقل تقدما. وبحلول عام 2050، يتوقع أن تكون هذه النسبة أعلى في المناطق الأكثر تقدما 0,89 مقارنة بالمناطق الأقل تقدما 0,77. ويشير هذا التحول إلى أن العوامل الديموغرافية ستكون مواتية بشكل أكبر لتحقيق الرفاهية الاقتصادية في المناطق الأقل تقدما عنها في المناطق الأكثر تقدما. ويصح ذلك في إفريقيا تحديدا، وهي المنطقة الوحيدة التي يتوقع أن تنخفض فيها نسبة الإعالة العمرية بحلول عام 2050.
وفي الدول التي لم تشهد تحولا ديموغرافيا ملحوظا بعد "مثل تشاد، وإفريقيا الوسطى، والصومال، وسيراليون"، تم توجيه السياسات على النحو الملائم لدعم هذه التحولات. وتتضمن هذه السياسات الاستثمارات التي تعزز فرص بقاء المولودين حديثا والأطفال على قيد الحياة، مثل توفير اللقاحات لأعداد أكبر من المواطنين، وتوفير مزيد من نظم الرعاية الصحية الأساسية التي تمتلك الأدوات والموارد اللازمة والعدد الكافي من العاملين.
وبالنسبة للدول التي شهد سكانها مكاسب على جانب الصحة ومعدل البقاء على قيد الحياة، فيمكنها الاستفادة من السياسات الرامية إلى خفض معدلات الخصوبة، مثل تشجيع تعليم الفتيات وتوفير خدمات الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة.
أما الدول التي تتركز نسبة كبيرة من سكانها في دورة الحياة المثلى للعمل والادخار، فتحتاج إلى سياسات لتحقيق المكاسب المحتملة من العوامل الديموغرافية المواتية. وتتضمن هذه السياسات دعم آليات المنافسة في سوق العمل وسوق رأس المال وتزويد العاملين بالمهارات والمؤهلات اللازمة وبناء البنية التحتية والإدارة السليمة للاقتصاد الكلي، وسياسات تجارية محكمة التصميم، وسلامة نظم الحوكمة.
ودائما ما يكون تنفيذ هذه السياسات أمرا جيدا، لكن ارتفاع نسبة السكان في سن العمل يزيد المخاطر.
وقد يكون من الصعب في بعض الدول الاستثمار في مجموعة السياسات المختلفة تلك، نظرا لأن نصيب الفرد من الدخل الحقيقي فيها أقل حاليا مما كان عليه في بعض الاقتصادات المتقدمة المعاصرة عندما كانت في المرحلة الديموغرافية نفسها.
تعد شيخوخة السكان هي الاتجاه الديموغرافي المسيطر في القرن الـ 21، وهي انعكاس لزيادة الأعمار وانخفاض معدل الخصوبة، وانتقال أعداد كبيرة إلى المراحل الأكبر سنا. فلم يسبق أن ارتفعت أعداد السكان الذين تتجاوز أعمارهم الـ 65 "وهي سن الشيخوخة المتعارف عليها" إلى هذا المستوى. ومن المتوقع أن يزداد عدد المسنين بمليار مسن في العقود الثلاثة إلى الأربعة التالية، علاوة على 700 مليون مسن يعيشون اليوم. وبين السكان الأكبر سنا، تنمو فئة السكان الذين تتجاوز أعمارهم الـ 85 عاما بمعدل سريع للغاية، ويتوقع ارتفاع عددهم ليتجاوز نصف المليار في الـ 80 عاما المقبلة. وهو اتجاه مهم نظرا لأن احتياجات وقدرات السكان في الفئة العمرية التي تزيد على 85 عاما تختلف اختلافا كبيرا عن احتياجات وقدرات السكان في الفئة العمرية من الـ 65 عاما إلى الـ 84 عاما.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي