1 - 84 - 27

يبدو أن العنوان غامض ومثير في الوقت نفسه! حتى لا تطول حيرة القارئ، فإن العنوان متصل بمشروع السعودية للإفادة من الهدي والأضاحي. ويعني - ببساطة - أن المشروع تمكن العام الماضي من ذبح نحو "مليون رأس من الأنعام" خلال "84 ساعة"، ووزعها على المستحقين في "27 بلدا" في العالم الإسلامي، بداية بفقراء الحرم في مكة المكرمة.
وانطلق هذا المشروع الرائد والمتميز قبل 37 عاما، وتحديدا في 1403هـ "1983". ويتشرف البنك الإسلامي للتنمية بإدارته نيابة عن حكومة السعودية. ويسهم المشروع في تيسير أداء النسك، وفي حماية بيئة المشاعر المقدسة من التلوث، والمحافظة على اللحوم من الهدر بتوزيعها على الفقراء والمساكين. وتولي السعودية عناية بالغة لإطعام الفقراء والجوعى. ففي هذا الإطار، يعمل البنك مع السعودية على توسيع نطاق المشروع، ليشمل مكافحة الجوع في العالم الإسلامي، خاصة في ظل الزيادة المطردة في أعداد الفقراء والجوعى في البلدان الأعضاء في البنك الإسلامي للتنمية.
والبنك الإسلامي للتنمية، مؤسسة مالية إنمائية دولية، أنشئ قبل 47 عاما بمبادرة من السعودية لتقديم الدعم الاقتصادي والاجتماعي للبلدان الأعضاء والمجتمعات المسلمة في البلدان غير الأعضاء. ويقدم البنك المساعدة لــ1.7 مليار مسلم، وبذلك فهو يؤثر في حياة خمس سكان المعمورة. وتعد السعودية أكبر مسهم في رأسمال البنك، بحصة تساوي 25 في المائة تقريبا. ويحوز البنك على أعلى تصنيف ائتماني من أكبر ثلاث وكالات تصنيف دولية، ويحظى بمصداقية عالية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.
وقبل إنشاء المشروع، كانت الأنعام تذبح وترمى في منى، بين المخيمات وفي الطرقات. وعند المساء، تقوم سيارات البلدية، بجمعها لدفنها أو حرقها. وهناك صور وأفلام ومقالات وروايات لأشخاص عاصروا تلك الحقبة تنم عن حجم تلوث التربة والهواء والمياه الجوفية واستمرار روائح الأنعام الميتة في منى لما يقارب شهرين بعد الحج. وكانت الدولة تنفق نحو 20 مليون ريال على الحفر والمرادم لاستيعاب الذبائح.
لكن بعد صدور الفتوى بإجازة الاستفادة من اللحوم من خلال توزيعها على فقراء الحرم وتوزيع ما يفيض منها على فقراء المسلمين، أنشأت المملكة هذا المشروع المتميز. وبلغ عدد الأنعام التي ذبحت في السنة الأولى للمشروع 63 ألفا. وأخذ هذا العدد في الارتفاع مع زيادة عدد الحجاج، حتى وصل إلى ما يقارب المليون ذبيحة العام الماضي. ويبدأ التوزيع على فقراء الحرم من أول يوم من أيام عيد الأضحى المبارك، ويبدأ الشحن إلى البلدان الإسلامية في مطلع شهر المحرم. كما يستمر التوزيع داخل المملكة، وذلك من خلال 250 جمعية خيرية معتمدة من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، تتوافر على ثلاجات لحفظ اللحوم وبرادات لنقلها حتى تصل إلى مستحقيها.
وخلال الفترة التي برزت فيها جائحة كورونا في المملكة، شارك المشروع في الحملة التي أطلقها الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، باسم "برا بمكة"، لتقديم الدعم للمحتاجين، حيث وزع المشروع 15 ألف ذبيحة، وهو ما يعادل 150 ألف كيلوجرام من اللحوم، وذلك بالتعاون مع جمعيات خيرية وجمعيات مراكز الأحياء وأوقاف خيرية في مكة المكرمة. كما شملت الحملة توزيع نحو 13 ألف ذبيحة على مختلف الجمعيات الخيرية في المملكة.
وبلغ إجمالي لحوم الهدي والأضاحي الموزعة منذ بداية المشروع حتى موسم 1440هـ، نحو 33 مليون رأس. وبلغ عدد المستفيدين نحو 100 مليون شخص في العالم الإسلامي.
إن دعم السعودية للمشروع غير محدود. ففي إطار تسهيل أداء النسك وتوسيع دور المشروع في توفير الغذاء لفقراء المسلمين، خصصت المملكة أكثر من ملياري ريال لإنشاء مسالخ جديدة مجهزة بنظام آلي متكامل للسلخ والتنظيف والتقطيع والنقل والتغليف والحفظ والتوزيع وتعليب اللحوم، وإنشاء محطة للطاقة المتجددة، ومحطة لمعالجة المياه المستخدمة، ومجمع مركزي يستوعب مليون ونصف ذبيحة، مع إمكانية التوسع في الموقع نفسه لتصل الطاقة الاستيعابية إلى نحو خمسة ملايين ذبيحة، وذلك بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، ومن ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله.
وأعدت الدراسات والتصاميم، وطرحت للمنافسة. ومن صور دعم المملكة للمشروع أيضا، إعفاء العمالة التي يصل عددها إلى أكثر من 20 ألفا من رسوم التأشيرات، ودعم استمارات شراء الأنعام.
وتعمل إدارة المشروع مع إدارة الاستراتيجية والتحول في البنك، على إعداد دراسة شاملة لتوسيع دور المشروع وجعله أداة من أدوات السعودية في محاربة الجوع في العالم الإسلامي، حيث تعاني بعض البلدان الأعضاء المجاعات المتكررة، وأعداد الجوعى فيها في تزايد بحسب مؤشر الجوع العالمي، خاصة في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء وشرق آسيا، وذلك بسبب الحروب والنزاعات المسلحة والجفاف والتغيرات المناخية وانتشار الأمراض والأوبئة. كما أن أعداد الأشخاص الذين يلقون حتفهم جراء الجوع في تزايد. وحيال هذا الوضع، أطلق المشروع عددا من البرامج، مثل برنامج الصدقات والعقيقة والوصية، بهدف زيادة أعداد الأنعام التي توزع على الفقراء والمساكين الجوعى. ويتيح برنامج الوصية إمكانية التعاقد مع المشروع بتخصيص مبلغ معين لعدد من الأعوام، حيث يتولى المشروع ذبح الأنعام للموصي بعد وفاته.
وأنتهز فرصة شهر رمضان المبارك لدعوة الإخوة والأخوات في البلدان الأعضاء في البنك الإسلامي للتنمية، ومن المجتمعات المسلمة في البلدان غير الأعضاء، إلى الإسهام في دعم المشروع، من خلال المشاركة في برامجه المختلفة لزيادة أعداد الأنعام التي يستفاد منها، وتمكين المشروع من الوصول إلى عدد أكبر من المستحقين، ونيل الأجر والثواب عند الله تعالى، نظير الإسهام في محاربة الجوع في العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي