Author

من الأزمات يصنع التغيير

|
في علم النفس يؤكد العلماء ضرورة تغليب الجانب الإيجابي للأحداث، والظروف التي يمر بها المرء، مهما كانت تبدو سلبية، وذلك لأن النظرة السلبية، والمتشائمة تحدث خللا، وعدم استقرار لدى الفرد؛ ما ينكد عليه حياته، ويشغل تفكيره في هذا الظرف؛ ليصل الأمر إلى عدم القدرة على التركيز، وقلة الإنتاجية، وكثرة الأخطاء في العمل، وربما الإقدام على تصرف أحمق؛ نتيجة النظرة التشاؤمية التي نتجت من الظرف الضاغط الذي يمر به.
منذ بدأ "كوفيد - 19"، وردود الفعل التي يعبر عنها الناس، في كل أنحاء العالم التي تنقل عبر الفضائيات وعبر وسائل التواصل الاجتماعي تتفاوت، خاصة مع إجراءات التباعد الاجتماعي الاحترازية، فمنهم من ضاق ذرعا بالإجراءات، ونظر إليها باعتبارها تقييدا لحريته، وسلوكه غير المنظم، وغير الرشيد الذي كان يمارسه قبل "كوفيد - 19"، كما أن بعض الناس ومع شعورهم بالضيق، ومحدودية الحركة، والتأثير في أعمالهم، إلا أنهم يقدرون الإجراءات، ويعدونها ضرورية؛ حفظا للناس، ويعدون حياة الناس مقدمة على أي شيء آخر، وهذه بلا شك نظرة إيجابية، حث عليها ديننا في نصوص كثيرة.
مع أن الجلوس في البيت، ليس اختياريا للفرد، بل فرضته الضرورة، إلا أن له ميزات ربما كنا نجهلها، عندما كنا نصول ونجول في الشوارع، والأسواق، بحاجة حقيقية أحيانا، وربما حاجة مصطنعة، أو متوهمة أحيانا كثيرة، مع ما يترتب على ذلك من زحام، وضياع وقت، وإهدار للمال في أمور لا تمثل احتياجات حقيقية، وإنما احتياجات أوجدتها الدعاية، وإغراءاتها، والفراغ، والسيولة المتوافرة في الأيدي.
المقارنة بين شيئين، أو وضعين يمثل إحدى الطرق العلمية التي تؤسس عليها البحوث، لذا لو تأمل أحدنا في وضعه الآن ووضعه قبل "كوفيد - 19" وقارن بينهما في الإيجابيات، والسلبيات؛ لربما خرج بنتيجة توصل إليها بنفسه، دون فرض من أحد، أو إيحاء، فالقدرة على التحكم في السلوك، مع مغريات الحياة، ومحفزات الرغبة الشرائية لما يحتاج، وما لا يحتاج قد تكون نتيجتها إيجابية، لمصلحة البقاء في البيت غير الاختياري، لكنه في النهاية لمصلحة الفرد؛ لما وفره في ميزانيته لاحتياجات أهم.
السلوك المنفلت لدى البعض أوجد خللا في العلاقات العائلية، حين كان الأب، أو الشاب يخرج من منزله إلى الاستراحة يضيع فيها وقته بعيدا عن العائلة، والأولاد، وهذا خلل في العلاقات الأسرية، فالطفل، والمراهق يحتاج إلى والده؛ يرعاه في نصائحه، ويتتبع وضعه الدراسي، يشاطره همومه، ويسدي له نصائحه؛ ليشعر الابن بدفء العلاقة، وقرب والده منه، حتى لا يتعرض للانحراف لا سمح الله.
البقاء في البيت أجبر كثيرين على التفكير في نشاطات يملؤون بها الفراغ، فمنهم كما ذكر في وسائل التواصل الاجتماعي من بدأ يتعلم صيانة بيته، ومنهم من بدأ يساعد في أعمال المنزل، وآخرون اعتمدوا على أنفسهم في الحلاقة، والبعض مارس الطبخ، ربما لأول مرة في حياته.
برامج تعديل السلوك وبرمجته تعد من أصعب الأمور، وأهمها؛ نظرا لقيمتها في حياة الناس، والبقاء في البيوت؛ مع أنه لا يتم خلاله تعديل سلوك، وفق طريقة علمية تمر بمراحل، وخطوات مدروسة، إلا أنه فرصة لذوي الألباب يجب استغلالها، ومراجعة النفس في الفترة ما قبل "كوفيد - 19" وكيف كانت حياة الفرد، وكيف كان يقضي وقته، في أمور مفيدة كالقراءة، أو الرياضة، أو في مهنة تدر عليه دخلا يساعده على متطلبات الحياة، أم في اللهو، والتجمعات غير المفيدة.
في الماضي كان الناس يؤرخون بالأحداث الكبيرة مثل سنة الصخونة، وسنة الغرقة، وسنة السبلة، فهل سيكون "كوفيد - 19" نقطة تحول نعيد فيها رسم أولوياتنا على مستوى الأفراد، والجهات الرسمية؛ لنودع ما ألفناه من سلبيات، ونحافظ، ونقوي الإيجابيات، إضافة إلى الدروس التي استخلصناها من هذه الأزمة، وجاهزيتنا، وقراراتنا، والخيارات التي لدينا؛ لنكون مستعدين لأي أزمة، أو جائحة قد تفاجئنا.
إنشرها