Author

حقوق الإنسان .. شعارات وممارسة

|

الأخبار التي تنقلها وسائل الإعلام التقليدية، أو الحديثة تكون موثقة بالصوت والصورة من موقع الحدث، ومباشرة في كثير من الأحيان؛ ما يعطيها مصداقية أكبر، وعدم شك في الحدث، ومن ثم إثارة تساؤلات لدى المشاهد من شأنها تفسير الحدث، أو البحث عن مزيد من المعلومات بشأنه، وأحيانا البحث في زوايا معينة بغرض إيجاد مزيد من المؤشرات الدالة على صحته، أو ما يدل على نفيه.


خبران نقلتهما وسائل أعلام موثوقة، الأول لمشرد في الولايات المتحدة أخذت منه جمعية الرأفة بالحيوان كلبه الذي يؤنسه في وحدته، ويشاركه مأساة التشرد، وقلة الحيلة، وحجة الجمعية أنه لن يكون قادرا على الوفاء باحتياجات الكلب من طعام، وعناية؛ ما يعرض الكلب للخطر في حال استمرار المشرد بالاحتفاظ به، وحال سماعي الخبر تساءلت هل تصرف الجمعية فعل عابر أملته المصادفة، أم يمثل ثقافة لها جذورها ومنظروها، وأتباعها، والمدافعون عنها؟ وبما أن التصرف صدر من جمعية مرخص لها، وفق القانون الأمريكي، ولها أهداف ولديها التزامات، وإمكانات تسخرها للأهداف المرسومة لها؛ فهذا تأكيد أنها ثقافة يتم تبنيها من أناس في المجتمع، إن لم يكن من نسبة كبيرة.


وما يثير الحيرة، والذهول عدم التعاطف مع الإنسان صاحب الكلب الذي يعيش على قارعة الطريق، بلا مأوى، ويقتات مما يتصدق به المارة، إذ كيف تكون الشفقة على الكلب مقدمة على الإنسان؟


لا اعتراض على الشفقة، والرحمة بالكلب، فديننا يأمرنا بذلك، ويحثنا على إطعام الحيوانات، وسقايتها، وينهى عن إيذائها، والتعرض لها بسوء، لكن لماذا لم ترأف الجمعية بالكلب، وصاحبه، وتنتشله من وضعه البائس؛ ليكتمل بذلك سمو الرحمة، والعطف؟ فالعقل السوي لا يقبل بذل المال والعناية بكلب، وإهمال صاحبه يعاني الجوع، والبرد، وحرارة الشمس، إضافة إلى الحرمان من مؤنسه، بغض النظر عن الأسباب التي أوصلته إلى هذه الظروف.


الخبر الثاني كان مشهدا مؤلما، لكل من لديه أدنى مشاعر الإنسانية، حيث كبل رجل في إسبانيا ثورا، وأخذ يطعنه بسكين في كل مكان من جسده، والثور المسكين لا حول له ولا قوة، إذ الحبال تقيده من كل طرف، والسكين تخرج من جزء لآخر؛ ليزيد ألمه، دون فكاك.


إسبانيا دولة محسوبة على الغرب، وثقافته في معظم عناصر الثقافة، واستثار المشهد في نفسي الحيرة، إذ كيف في مكان تتحرك العاطفة، والرأفة بالحيوان لتسلب فردا كلبه المؤنس له الذي يطعمه من طعامه، ولم يعذبه، وحزن لفراقه، وفي مكان آخر من العالم الغربي يعذب الثور بصورة بشعة، تؤلم قلب من يشاهد المقطع؟


بالنسبة لي كمشاهد محايد تتملكه الحيرة في تفسير التناقض الثقافي، حيث لا مجال لقبول العناية بكلب، وإهمال إنسان، يعاني ما يعانيه من جوع، ومرض، وشظف عيش، وفي الوقت نفسه تعذيب حيوان بريء، بصورة وحشية، تكشف وجها أسود لسلوك البشر، وعلى افتراض أن معذب الثور مريض نفسيا، ويعاني السادية التي تشعره بالارتياح، والسعادة بفعله هذا، إلا أن الحيرة تبقى مترسخة، فأين جمعية الرأفة بالحيوان؟ ولماذا لم تتحرك لإنقاذ الثور، أو على أقل تقدير التنديد بهذه الممارسة؟ علما بأن تعذيب الثيران في أوروبا ليست ممارسة عابرة، بل متكررة، ورياضة معشوقة لها جماهيرها المستمتعون بتعذيب الثيران؛ باسم مصارعة الثيران.


مع انتشار كورونا، واجتياحه دول الاتحاد الأوروبي، من الأهمية الوقوف عند التصرفات التي ظهرت من قبل بعض دوله التي اتصفت بالشيفونية المفرطة حتى إن المشاهد يتساءل: أين شعارات حقوق الإنسان الرنانة التي صدع الغرب رؤوس الآخرين بها حتى وصل به الأمر إلى التدخل في الخصوصيات الثقافية للمجتمعات الأخرى ليملي عليها تعليماته بشأن ما يدعيه مخالفة لحقوق الإنسان؟ سواء في اللباس، أو التعامل، كما يفعل مع المجتمعات الإسلامية في شؤون المرأة حيث تحولت إلى قضية، ونصب نفسه محاميا يعلم ماذا يجب فعله، وما لا يجب.

لقد عرى كورونا هذه المجتمعات لتظهر حقيقة ادعائها لحقوق الإنسان حين تنكر الأوروبي لأخيه الأوروبي، وأصبح يصادر الأدوية، وأدوات الوقاية المتجهة من دولة أخرى، وليت المصادرة من قطاع طرق، وإنما قامت بها حكومات وقعت على ميثاق الاتحاد الأوروبي.

إنشرها