Author

يا هيئة التقويم: المحاسبة مهن وليست واحدة

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى


ما زلت أناقش مخرجات منتدى المحاسبين، وأشكر كل الجهود الرائعة التي أحيت عشقنا لهذا التخصص الرائع بكل تفاصيله ومكوناته، وهذا النقاش يمثل حراكا إيجابيا وتفاعلا حقيقيا مع جميع القضايا التي طرحت خلال أعمال المنتدى ويجب أن تقرأ هذه المقالات على أساس هذا النجاح الكبير الذي تحقق، وكأي موضوع ذي طابع اجتماعي فإن النقاش والخلاف في الرأي أمر حتمي، وليس انتقاصا من جهد أو رأي، لذا أكرر شكري للقائمين على المنتدى وننتظر بشغف النسخة الثانية منه.
لقد أثار المنتدى في جلساته وبين أروقته تلك الاتفاقية بين هيئة تقويم التعليم والهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين بشأن مخرجات التعليم، وأنا متأكد من كل الجهود والنوايا الحسنة التي تقف خلف هذه الاتفاقية لكن ليس بالضرورة أن تكون تلك الجهود صائبة، فالاتفاق بين هيئة تقويم التعليم وهيئة المحاسبين تجاهل حجم مهنة المحاسبة وشمولها، فالمحاسبة التي تهتم بها هيئة المحاسبين القانونيين هي تلك التي لها علاقة بمكاتب مراجعة القوائم المالية للشركات أو أي جهة أخرى نص النظام على أن تقدم تقارير مالية مدققة من محاسب خارجي، ولهذا السبب فإن البعض يفسر الطلب على خدمات مكاتب المحاسبة كنتيجة لهذه الأنظمة التي لو لم تشترط ذلك لما حدث طلب فعال على خدماتها، ولأن الطلب على خدمات مكاتب المحاسبة يأتي إجبارا من خلال الأنظمة خاصة التقارير المالية التي تقدم للحكومة فقد أنشئت هيئة المحاسبين القانونيين، ووضعت امتحانات للزمالة كشرط للحصول على الترخيص المهني، لكن المحاسبة كتخصص في حقيقته أعرض بكثير من مجرد مكاتب محاسبة قانونية، فهناك المحاسب الإداري وهو محاسب مختص في مجال المحاسبة كنظام لدعم القرار وتقديم تحليل للتكاليف، وغيرها من الأساليب التي تطلبها الإدارة فقط ولا يطلبها غيرها عادة، هذا التخصص لا يحتاج إلى ترخيص مهني حكومي نهائيا، وهناك جمعية مهنية خاصة بالمهتمين بهذا التخصص ولها اختبارات زمالة خاصة بها، ولا علاقة مباشرة أو علاقة إشراف نظامية بين هيئة المحاسبين وجمعية المحاسبين الإداريين، وأعود وأقول: إن المحاسبة مهن عدة فهناك ما يسمى بالمحاسبة عن الأموال التي تتفرع عنها أنواع من المحاسبة من بينها المحاسبة الحكومية، وهي تتطلب كثيرا من المهارات والمعرفة وهناك أيضا جمعيات ومؤسسات وتنظيمات دولية ترعى هذه التخصصات، وأمضي بك عزيزي القارئ إلى تخصصات أخرى أكثر عمقا من بينها نظم المعلومات المحاسبية، وهو التخصص الذي يهتم اليوم بالمحاسبة في شكلها الإلكتروني، وتطوير البرمجيات واستخدامها في المحاسبة، ومن ذلك بناء قواعد البيانات المحاسبية، ومن التخصصات يأتي تخصص التحليل المالي والتقييم والتثمين وله اليوم هيئة مستقلة، وتخصص المحاسبة في القطاعات غير الهادفة للربح، والمراجعة الداخلية، والمراقبين الماليين، والضريبة والزكاة، والمحاسب القضائي بتفاصيل تصل إلى حد الفصل في التركات المتنازع عليها، كل هذه التخصصات وأكثر مما أكون قد نسيته لا تختص به هيئة المحاسبين القانونيين ولا هي على علاقة بهم، وإذا كانت هذه هي الحال فلماذا ذهبت هيئة تقويم التعليم عند هيئة المحاسبين وكأن المحاسبة العريضة التي يعمل بها اليوم أكثر من 170 ألفا، هي مهنة صغيرة مكونة من 300 مكتب فقط، أو أن الترخيص المهني هو غاية كل من يدرس اليوم في هذا التخصص المهم، إن هذا الاختزال وبناء منظومة مخرجات التعليم بناء على وجهة نظر المكاتب المحاسبية يعد خللا خطيرا ولن تكون تلك المنظومة من المخرجات قادرة على تحقيق متطلبات كل التخصصات، فضلا أن تكون مقبولة.
المحاسبة التي تهتم بها الجامعات ليست محصورة في حصول الطلاب على شهادة زمالة المحاسبين القانونيين، بل تهتم بعلم عريض الآثار وخريجين سيعمل البعض منهم باحثين في هذا الظاهرة الإنسانية، ومدربين ومشرعين لها، ولقد أساءني ما تم نشره قبل مدة لقائمة تتضمن مقارنة بين الجامعات السعودية فيما يتعلق باجتياز امتحان الزمالة، وكأنها تلمح لمستوى التعليم أو هكذا يفهم منها، ولا أعرف لماذا تم الربط بين الجامعة بكل تخصصاتها والاختبار المهني المحدود ولم يتم الإشارة إلى المنطقة الإدارية التي فيها الجامعة؟ ذلك أن هيئة المحاسبين تعرف جيدا أن خريج قسم المحاسبة في الجوف سيكون آخر أحلامه أن يفتح مكتبا للمحاسبة هناك، هنا أقول إن جدوى اختبار المحاسبة يقع فقط في منطقة الرياض ولهذا ظهرت الأرقام لتعكس هذه الحقيقة، ويجب على هيئة تقويم التعليم أن تعرف حقيقة سوق مهنة المحاسبة، وألا ننخدع ببعض الإحصائيات غير المرتكز على بنية مفاهيمية صحيحة. هنا أقول وبكل شفافية إن على هيئة تقويم التعليم وقبل أن تبدأ مشاريعها أن تتحدث مع أصحاب الشأن الفعليين وهم الجامعات، وألا تذهب شرقا وغربا كما «العيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول».

إنشرها