Author

هل هذا الإنفاق طبيعي؟

|

بعض الأخبار، ذات الطابع الاقتصادي، لا بد من التوقف عندها والتأمل فيها؛ لما فيها من أرقام خيالية، إذا دققنا في المجالات التي صرفت فيها، ومن هذه الأخبار الأشبه بالتقارير خبر أوردته صحيفة "الاقتصادية" بتاريخ 14/7/2019 مصدره الهيئة العامة للجمارك، إذ ورد في الخبر، أن المملكة استوردت خلال ستة أشهر أجهزة جوال بمبلغ 9.1 مليار ريال، وخلال عام ونصف العام، بداية من 2018 حتى منتصف 2019، استوردت جوالات بما قيمته 25.9 مليار ريال.
ذكر الخبر أن الدول التي تم الاستيراد منها، (الصين، فيتنام، تايلاند، الهند، أمريكا، الإمارات، تايوان، كوريا الجنوبية، إيرلندا، نيوزيلندا، ألمانيا، غينيا، إندونيسيا، المكسيك، بريطانيا، هنغاريا والعراق)، أما الأسعار فراوحت بين 1500 وسبعة آلاف ريال، هذا الإنفاق الكبير على أجهزة الجوال له دلالات، ذات علاقة بطريقة تفكيرنا، ونظرتنا للحياة، فالمبالغ الطائلة تحتاج إلى أن نتوقف عندها، ونتساءل، هل سوق الجوالات بهذه الحجم الذي في ظني لا يتناسب مع عدد السكان؟ ولعل ميل البعض إلى اقتناء أكثر من جوال، وإن لم يكن في حاجة ضرورية لكل هذه الأجهزة، كالعمل الذي يمارسه الفرد، ما يستوجب اقتناءه أكثر من جوال، يمثل السبب الرئيس لهذه الظاهرة حب الاستعراض والمباهاة أمام الآخرين، لحاجة نفسية لدى من يقتنيها، وكأنه يقول انظروا إلي كم من الجوالات أمتلك.
كما أن من الأسباب المفسرة لهذا الاستهلاك الضخم متابعة البعض للجديد، إذ يعتقد خطأ أن الإبقاء على الجوال القديم يمثل منقصة في حقه، ولذا يقتني الجديد مسايرة للآخرين؛ حتى لو أرهق الجوال ميزانيته، لكنه يقدم شراءه على ما هو أهم منه، ويضاف إلى ما سبق من أسباب، التعرف على الفروق الفنية والتصنيعية، وهذا السبب ربما ينحصر في فئة متخصصي الهندسة والتقنية، وهي شريحة محدودة في أي مجتمع.
في أكثر من موقف استرعى انتباهي تصرفات تشي بحب إظهار امتلاك أكثر من جوال، ففي مناسبة، رسمية دخل أحد حضور المناسبة، وفي يده جوالان، وخلال الجلسة يقلبهما، وكأنه يستعرض بهما أمام الحضور، والغريب أنه خلال الجلسة لم يرد إليه أي اتصال، أو رسالة!
مع موضة الجوال بكاميرا انكب الجميع على اقتنائه، وهذا أمر مفهوم، لما يمتلكه من ميزة التصوير، في أي لحظة، وفي أي مكان، وفي أي ظرف، لكن أن يصاب الناس بحمى الشراء لجوال بكاميرتين، فهذا أمر يثير التساؤل عدة مرات، ويزيد الاستغراب ما حدث، حين نزل في السوق جوال بثلاث كاميرات، إذ سارع البعض إلى شرائه، رغم ارتفاع ثمنه، دونما تفكير في شأن الحالات، والظروف التي سيستخدم فيها الكاميرات الثلاث، ولو قدر وسئل الفرد عن سبب الاقتناء ما أعطى إجابة، وإنما التفسير الوحيد لذلك الميل إلى المباهاة أمام الآخرين.
أدبيات السلوك الاستهلاكي من بحوث ودراسات على عينات كثيرة فيها الشباب والكبار والنساء والرجال، أظهرت أن قلة من الناس من لا يغريهم الجديد، ويسعون جاهدين إلى امتلاكه حتى لو اضطروا إلى الاقتراض، والغريب أن أثرياء العالم، هم الأكثر إدراكا لقيمة المال، الذي بين أيديهم، لذا تجدهم يربطون ما يتم شراؤه بالاستخدامات التي يحتاجون إليها، وكم أعجبني مقطع "يوتيوب" لأحد أبناء الأثرياء في إحدى الدول العربية، إذ لا يزال جواله آيفون4، معللا ذلك بأن فيه كل العمليات التي يحتاج إليها، ولا حاجة له بشراء جوال يتضمن عمليات ليست له حاجة إليها.
توقفت عند الدول التي نستورد منها أجهزة الجوالات، إذ توجد بينها دول ليس لها تاريخ صناعي بشكل عام، وليس لها تاريخ في صناعة الجوالات بشكل خاص، وربما يعود السبب إلى أنها تستورد من دول مصنعة، وتعيد تصديرها إلى دول أخرى، وفي هذا إشكاليات ترتبط بالجودة، والضمان، خاصة عندما لا تكون الدولة المصنعة هي التي تم الاستيراد منها مباشرة، كما أن عملية إعادة التصدير تزيد من القيمة التي يدفعها المواطن، إذا ما قورنت بقيمة الاستيراد المباشر.
لست خبيرا في صناعة الجوالات، ولا يتوفر لدي في هذا المجال أي معلومة، لكن بالمتابعة، والقراءة؛ لما يكتبه البعض خرجت بنتيجة أن تقنية صناعة الجوال ليست بذلك التعقيد، كما أن كثيرا من أجزاء الجوال تصنعه شركة سابك كمواد أولية؛ لتقوم الدول المستوردة لها بتحويلها إلى منتجات نهائية، والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا لا تتوجه وزارة الصناعة والغرف الصناعية والتجارية ووزارة الاقتصاد والتخطيط، وجميع الجهات ذات العلاقة إلى جعل صناعة الجوال ومكملاتها ذات أولوية توفر فرص عمل لشبابنا، ونحافظ على الأموال الطائلة التي تخرج من الوطن بهدف الاستيراد؟

إنشرها