Author

نماذج إدارية من الواقع

|

يشهد كثير من الدوائر الحكومية طفرة واضحة المعالم في توظيف التقنية لإنجاز أعمالها، حفظا لمعلومات لا بد من حفظها، وحصولا على معلومات يلزم الحصول عليها، وتثبتا من معلومات يلزم التثبت منها، وسرعة استرجاع للمعلومات، وكل هذه الإجراءات تخدم المواطن، وتسرع إنجاز مهماته، بدلا من الطريقة القديمة، المتمثلة في البحث في الدفاتر المدونة بخط اليد، مع ما يعتري ذلك من خطأ، وسوء خط، أو عدم وضوح؛ لطول الفترة التي مرت على التدوين قد تمتد قرونا، خاصة ما يتعلق بوثائق الأملاك، والأحداث، والتواريخ المهمة، والأنساب.
الأخذ بالتقنية، خاصة الحاسب الآلي وبرامجه مر بمراحل في المملكة، إذ بدأ على شكل موضة مجتمعية عامة، تزين الأجهزة المجالس دون توظيف فعلي لها، نظرا لقلة المختصين في المجال، والمتدربين على استخدام الحاسب الآلي بفعالية، لكن مع تأسيس الجامعات لأقسام الحاسب الآلي، والتوسع في تدريسه، والتدريب عليه، إضافة إلى الدورات التي تقيمها المعاهد الخاصة، كما أن اقتحام التقنية الأسواق، وتعلق الناس بها، مع رخص ثمنها النسبي زاد من استخدامها، والتطبيقات المرتبطة بها.
الجهات الحكومية، والشركات، والمؤسسات، والأفراد، كل أولئك يستخدمون التقنية، حسب احتياجاتهم من تنظيم الوقت، وميزانية العائلة، والسفر، ومتابعة المعاملات الخاصة لدى الجهات المختلفة إلى تنفيذ تجديد الجواز، ورخص القيادة، ومعرفة وضع المركبات. هذا بالنسبة للأفراد، أما الجامعات، والمؤسسات التعليمية، فالرجوع لقواعد المعلومات، والاطلاع على البحوث، والحصول عليها؛ أصبحت خدمة في متناول اليد، وبسرعة فائقة، اختصرت الوقت، ووفرت الجهد، إضافة إلى متابعة المؤتمرات، وكل جديد في التخصص، كأنشطة الجمعيات العلمية، وورش العمل التي تعقدها في أي مكان من العالم، كما أن الجامعات، وظفت التقنية في كل إجراءاتها الإدارية، والمالية، كصرف الرواتب، وتنظيم الاجتماعات، والمحاضر، وغيرها من الأعمال.
الإدارات الخدمية كوزارة العدل أحدثت نقلة نوعية تلزم الإشارة إليها، كما في الوكالات التي تتم من المنزل، أو استخراج الصكوك، وتحديثها، ودربت منسوبيها في قطاع المحاكم، وكتابات العدل ما يسر على الناس، بدلا من المعاناة التي يتكبدونها في السابق، والمراجعات الطويلة، ويحسب لها الجمع بين التوثيق الآلي، والورقي؛ حفظا لحقوق الناس، وتجنبا للأخطاء السابقة التي تحدث، كما في تعدد الصكوك، واختلاف المساحات، وتشابه المواقع. ومن الممارسات الإيجابية الاستفتاء الإلكتروني الذي يرسل مباشرة بعد انتهاء المهمة؛ لمعرفة رضا المستفيد من الخدمة، وهذا يعكس ثقة الوزارة بنفسها، وسعيها إلى تطوير الخدمة ما يعكس وعيا إداريا، متقدما تجب الإشارة إليه، ويحق للوزارة المباهاة به.
جهات خدمية أخرى يفترض توظيفها للتقنية بشكل أفضل، فلا تزال معاناة الناس مع طريقة، وأسلوب تقديمها الخدمات، إذ تحتاج إلى تحديث، ومجاراة العصر، وتوظيف التقنية؛ تسهيلا على الناس بدلا من الطرق القديمة، والروتين، المضيع للوقت، فالبلديات على سبيل المثال لا الحصر أوجدت نظاما غير متكامل، فمثلا التعديل في مساحة عقار حسب النظام يلزم رفع الطلب إلكترونيا، لكن الرفع الإلكتروني يتطلب معلومات ليست متوافرة في الصكوك، والوثائق القديمة، مثل رقم المخطط، والقطعة، وأرقام القطع المجاورة لها، لذا يستحيل تنفيذ الطلب إلكترونيا، والموظف يحتج بالنظام ليدخل المستفيد في دوامة لا مثيل لها تمتد لأشهر.
مثال آخر من واقع البلديات تحويل طالب الخدمة إلى المكاتب الهندسية لرفع مساحي، أو لمعرفة أرقام القطع المجاورة للعقار، وفي هذا تكلفة مادية، ومضيعة وقت، فالبلديات فيها مهندسون، ومساحون وجدوا لإنجاز هذه المهمات، كما أن المعلومات الجغرافية، والتخطيطية يفترض توافرها لدى البلديات بما لديها من إمكانات تجهيزية، وكفاءات بشرية، وليس لدى المكاتب الهندسية.
في اعتقادي أن بيئة العمل في البلديات تحتاج إلى إعادة نظر، وغربلة، وتقويم موضوعي، إذ لا تزال طريقة التفكير القديمة مترسخة، ويتم تناقلها بين أجيال العاملين، لذا لو قدر، واعتمدت الوزارة نظام التقويم الإلكتروني للخدمة لساعد ذلك على اكتشاف مناطق الخلل، والمسؤولين عنها؛ إذا ما أريد تحسين الخدمات، والتيسير على الناس.

إنشرها