default Author

العالم يحتاج إلى نظام مالي جديد ومستدام «1 من 3»

|

في العام الحالي، حفزت التهديدات الناتجة عن تغير المناخ خروج مظاهرات في مختلف أنحاء العالم، ودفعت أعضاء البرلمان في المملكة المتحدة ودول عديدة أخرى إلى إعلان "حالة طوارئ مناخية". وجاءت هذه الأحداث على خلفية الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة عبر دول أوروبا وأمريكا الشمالية، وحرائق الغابات الأسوأ على الإطلاق التي شهدها حوض الأمازون، والعواصف الاستوائية الحادة في آسيا، وارتفاع منسوب مياه البحر بوتيرة أسرع من المتوقع في السابق. والتكاليف البشرية لا تقاس بثمن.
أما الخسائر المالية فيمكن قياسها، وهي خسائر هائلة بالفعل. فقد بلغت الخسائر المؤمن عليها 80 مليار دولار عام 2018، أي ضعف متوسطها المعدل لمراعاة التضخم خلال الـ30 عاما الماضية.
غير أن فجوات الحماية في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل تعني أن التكلفة الأكبر يتحملها الأفراد والجهات غير المؤمن عليهم. ففي عام 2017، وصلت الخسائر المؤمن عليها إلى مستوى قياسي بلغ 140 مليار دولار، وصاحبتها خسائر إضافية غير مؤمن عليها بقيمة 200 مليار دولار. وفي بعض الدول الأكثر عرضة لمخاطر تغير المناخ ــ بنجلادش ومصر والهند وإندونيسيا ونيجيريا والفلبين وفيتنام - تقل نسبة تغلغل خدمات التأمين عن 1 في المائة.
وتعد المنافع الاقتصادية المحتملة الناتجة عن سد فجوة التأمين هائلة. فحسب تقديرات شركة لويدز في لندن، يمكن أن تؤدي زيادة تغلغل خدمات التأمين بنسبة 1 في المائة إلى الحد من الخسائر غير المؤمن عليها 13 في المائة، وكذلك الحد من أعباء التعافي من الكوارث التي يتحملها دافعو الضرائب 20 في المائة، وتتضمن المنافع الاقتصادية الكلية الهائلة زيادة الاستثمارات وارتفاع الناتج "بنسبة قد تصل إلى 2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي"، وتعزيز القدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ.
وأكدت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في تقريرها الصادر عام 2018 أنه لا يتبقى لنا سوى 12 عاما فقط لوقف التغير السريع في المناخ. وهو ما يعادل دورتين اقتصاديتين عاديتين، و12 اجتماعا سنويا لصندوق النقد الدولي، و48 اجتماعا للجنة السياسات المالية في بنك إنجلترا. غير أن العالم يسير حاليا في اتجاه معاكس: حيث ازدادت انبعاثات الطاقة العالمية 1.7 في المائة العام الماضي. ويستلزم تخفيض الاحترار العالمي حتى لا يجاوز 1.5 درجة مئوية تراجع الانبعاثات الصافية 45 في المائة في عام 2030 والقضاء عليها بالكامل في عام 2050.
لكن يلزم إجراء تغييرات جذرية لتثبيت مستويات الاحترار العالمي عند أقل من 1.5 درجة مئوية: إذ يتعين إعادة توزيع رأس المال بشكل كبير، وهو ما ينطوي على مخاطر وفرص غير مسبوقة. بحسب تقديرات الوكالة الدولية للطاقة، فإن التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون قد يتطلب تنفيذ استثمارات في قطاع الطاقة بقيمة 3.5 تريليون دولار سنويا لعقود عدة - أي ضعف المعدل الحالي. ووفقا للسيناريو الذي وضعته الوكالة، فإن استقرار مستويات الكربون بحلول عام 2050 يتطلب أن تكون 95 في المائة تقريبا من إمدادات الكهرباء منخفضة الكربون، وأن تعمل 70 في المائة من السيارات الجديدة بالكهرباء، وأن تقل كثافة ثاني أكسيد الكربون في قطاع البناء 80 في المائة.
حتى تتمكن الأسواق من توقع ديناميكيات التحول إلى عالم خال من الكربون وتمهيدها، يتطلب ذلك توفير معلومات دقيقة، وسلامة إدارة المخاطر، وأطر سياسات عامة تتسم بالمصداقية والاتساق.
ونتعرف فيما يلي على كيفية القيام بذلك.
يجري العمل حاليا على إقامة نظام مالي جديد ومستدام. وسيسهم هذا النظام في تمويل مبادرات وابتكارات القطاع الخاص وتعظيم فاعلية السياسات المناخية الحكومية - حتى إنه قد يمكنه المساهمة في تسريع التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون. لسوء الحظ، وعلى غرار جميع الإجراءات المتخذة لمواجهة تغير المناخ، فإن هذا النظام المالي الجديد المستدام لا ينمو بالسرعة الكافية لتمكين العالم من القضاء التام على انبعاثات الكربون.
وهذه هي معضلة الأفق الزمني. فالآثار الكارثية لتغير المناخ لن تظهر إلا بعد فترة طويلة من انقضاء الآفاق الزمنية المعتادة لمعظم الأطراف - ما سيفرض تكلفة على الأجيال المستقبلية، وليس لدى الأجيال الحالية سوى حافز مباشر ضئيل للتصدي لها.
ولكي تصبح المخاطر المناخية والقدرة على التصدي لها جزءا أساسيا من عملية صنع القرارات المالية، يجب أن تكون الإفصاحات المناخية شاملة، إلى جانب ضرورة إحداث تحول كبير في إدارة المخاطر المناخية وتعميم مفهوم الاستثمار المستدام.
تعد فرقة العمل المعنية بالإفصاحات المالية المتصلة بالمناخ، التي شجعت مجموعة العشرين على إنشائها وأسسها القطاع الخاص، بمنزلة إطار شامل وعملي ومرن معني بإفصاح الشركات عن المخاطر والفرص المرتبطة بالمناخ.
ومنذ أن وضعت فرقة العمل المعنية بالإفصاحات المالية المتصلة بالمناخ توصياتها، زاد عرض الإفصاحات المالية المتصلة بالمناخ والطلب عليها أيضا.
والطلب كبير في الوقت الحالي على الإفصاح المالي حسب توصيات فرقة العمل المعنية بالإفصاحات المالية المتصلة بالمناخ. وتضم مجموعة المؤيدين في الوقت الحالي جهات يبلغ إجمالي قيمة ميزانياتها العمومية 120 تريليون دولار، من ضمنها كبرى البنوك العالمية وشركات إدارة الأصول وصناديق معاشات التقاعد وشركات التأمين ووكالات التقييم الائتماني وشركات المحاسبة وجهات تقديم الخدمات الاستشارية للمساهمين. ونتيجة ذلك، أصبحت الشركات أكثر حرصا على الإفصاح عن المخاطر المناخية وإدارتها. علاوة على ذلك، شهد العام الماضي واقعة الإفلاس الأولى التي تعرضت لها إحدى الشركات المدرجة في مؤشر ستاندرد آند بورز لأسهم الشركات الـ500 الكبرى بسبب المخاطر المناخية، وارتفع عدد قرارات المساهمين المتصلة بالمناخ إلى 90 قرارا. وفي الوقت الحالي، يؤيد مديرو الاستثمارات الذين يسيطرون على أكثر من 45 في المائة من الأصول العالمية المدارة، قرارات المساهمين بشأن الإفصاح عن انبعاثات الكربون، كما تؤيد مجموعة كبيرة من الشركات تمثل ما يزيد على 90 في المائة من جميع خدمات الاستشارات المقدمة للمساهمين، توصيات فرقة العمل المعنية بالإفصاحات المالية المتصلة بالمناخ... يتبع.

إنشرها