طفرة ائتمانية تزامنت مع اكتتاب «أرامكو» في نوفمبر تم رصدها عبر 3 مؤشرات للاستدانة
عزز اكتتاب شركة أرامكو السعودية، الأضخم على الصعيد العالمي، النمو الائتماني للقطاع المالي السعودي خلال شهر نوفمبر من العام الماضي، الذي تم رصده عبر ثلاثة مؤشرات، تمثلت في القروض الممنوحة للقطاعين الخاص والعام، وكذلك على القروض القصيرة الأجل ونظيرتها المتوسطة الأجل، لتسهم تلك المعطيات في إحداث "طفرة ائتمانية" دامت لفترة مؤقتة، كما توقعت "الاقتصادية" في أحد تحليلاتها في وقت سابق.
ولاحظ العاملون في القطاع المالي، أن بعض مؤشرات الاستدانة سجلت نموا يعد خارج نطاقها الطبيعي المعتاد، لتتوافق بذلك مع نمط الاكتتابات التاريخية، التي صاحبها نمو ائتماني خلال الأعوام العشرة الماضية.
أولى تلك المؤشرات، تم رصده عبر النمو الائتماني، الذي تم تسجيله للقروض الموجهة للقطاعين الخاص والعام، وذلك بعد أن سجلت نسبة نمو بنهاية نوفمبر بلغت 5.3 في المائة مقارنة بـ 4 في المائة في أكتوبر من العام الماضي، وتعد نسبة النمو بين الشهرين الأعلى على الإطلاق خلال 2019. بل إن بيانات "بلومبيرج" قاست تلك "القفزة بوتيرة النمو" أي من 4 في المائة إلى 5.3 في المائة عند 33 في المائة.
ولجأت عديد من المؤسسات العاملة في السعودية للاقتراض من أجل المشاركة في اكتتاب "أرامكو" الذي بدأ من 17 نوفمبر 2019 واستمر إلى 4 ديسمبر، الأمر الذي يعني أن بعض آثار النمو الائتماني ستظهر في بيانات الشهر الأخير من السنة الماضية.
الاستدانة قصيرة الأجل والمتوسطة
وتتباين استراتيجية المؤسسات من الاستدانة لأجل الاكتتاب في "أرامكو"، فمنهم من يفضل الاحتفاظ بالأسهم على المدى المتوسط، ليحقق تدفقات نقدية من جراء عائد توزيعات السهم المضمون لخمسة أعوام عند 4.4 في المائة بسعر الاكتتاب 32 ريالا، تنعكس على الأداء التشغيلي للمؤسسة، في حين يفضل البعض الاستدانة القصيرة الأجل، وذلك من أجل أن يتخارج من السهم في الأيام الثلاثة الأولى من الاكتتاب، وذلك بعد أن يحقق ربحا على استثماراته.
ويعد القطاع العام والشركات والأفراد من أبرز المنتفعين من خطوط الائتمان التي تمنحها جهات التمويل لهم، والتي تكون على شكل قروض متفاوتة الآجال وتراوح ما بين استحقاقات طويلة ومتوسطة وقصيرة الأجل.
ويعرف البنك المركزي السعودي في تقريره الشهري الآجال القصيرة على أنها أقل من عام، في حين تكون الآجال المتوسطة ما بين عام وثلاثة، وتكون الآجال الطويلة أية خطوط ائتمان تكون أجال استحقاقها أكثر من ثلاثة أعوام.
وبحسب تحليل وحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية" استند إلى بيانات كل من مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما"، وكذلك منصة "بلومبيرج إنتلجنس"، فسجل كذلك الائتمان القصير الأجل نموا بمقدار 0.7 في المائة بنهاية نوفمبر، إذ بلغ إجماليها بنهاية الشهر 698.8 مليار ريال مقارنة بـ693.8 مليار ريال بنهاية أكتوبر.
في حين بلغت نسبة النمو الائتماني المتوسط الأجل 1 في المائة بنهاية نوفمبر، إذ وصل إجمالي القروض المتوسطة الأجل 231.7 مليار ريال مقارنة بـ229.4 مليار ريال بنهاية أكتوبر.
ترقية المستثمرين الأفراد
واكتتاب "أرامكو" شهد ترقية بعض المستثمرين الأفراد جعلتهم يكتتبون بشريحة المؤسسات، وذلك من خلال ما يعرف بـ"شركات الغرض الخاص"، التي تكون تابعة للمؤسسات المالية، بحسب "بلومبيرج".
وفي الغالب أن تلك الفئة التي تم ترقيتها لجأت إلى الائتمان، وذلك من خلال أهم منتجين لدى المؤسسات المالية العاملة في المملكة، وهما القروض المعززة بضمان أسهم "أرامكو" أو ودائع العميل، وكذلك "التمويل بالهامش".
تضخيم طلبات الاكتتاب
ومن الطبيعي أن يقترن اكتتاب "أرامكو" بزيادة طلب المستثمرين على القروض، في حين يلجأ البعض لتضخيم طلبات الاكتتاب عبر الاستدانة من أجل ضمان حصوله على الحصة التي يرغب فيها عند عملية التخصيص النهائية، حيث يتم مشاهدة ذلك النمط على صعيد الاكتتابات العالمية الكبرى سواء على الأسهم أم أسواق الدخل الثابت.
وبلغت الأموال المجمعة لاكتتاب المؤسسات والأفراد الخاصة باكتتاب "أرامكو" 446 مليار ريال بنسبة تغطية إجمالية 465 في المائة.
وأكدت "أرامكو" حينها أن أسهم الطرح المخصصة للمكتتبين الأفراد تمثل نسبة 33.3 في المائة من أسهم الطرح أي ما يعادل 0.5 في المائة من رأسمال الشركة، بينما تمثل أسهم الطرح المخصصة للمؤسسات المكتتبة نسبة 66.7 في المائة من أسهم الطرح أي ما يعادل 1 في المائة من رأسمال الشركة.
التمويل قصير الأجل
ونشرت "الاقتصادية" تحليلا في 17 نوفمبر، ذكرت فيه أنه ينتظر أن تشهد الجهات المانحة للتمويل، والعاملين في القطاع المالي السعودي، حدوث "طفرة ائتمانية" تدوم لفترة مؤقته، تزامنا مع اكتتاب "أرامكو" والأسابيع القليلة التي تلي تداول أسهمها، وذلك على فئة القروض "القصيرة الأجل".
وتشير البيانات التاريخية لأبرز الاكتتابات، وكذلك طلبات الاكتتاب بزيادة رأس المال للشركات، عند اقتران تلك الأحداث بزيادة طلب المستثمرين من المستثمرين المؤسسين المحليين والأفراد على القروض القصيرة الأجل.
وتبلغ أعداد شركات التمويل المرخصة لممارسة نشاط أو أكثر من الأنشطة التمويلية 30 جهة، في حين يصل عدد الجهات المرخصة لممارسة نشاط التمويل العقاري إلى 20 جهة شاملة البنوك المحلية، مع العلم أن فروع البنوك الأجنبية المرخصة تنشط في تقديم خدماتها للجهات السيادية والشركات السعودية.
اقتران التمويل مع الاكتتابات
ويترقب العاملون في القطاع المالي حجم الائتمان، الذي تم توفيره خلال شهري نوفمبر وديسمبر للمستثمرين، وذلك في ظل مستويات السيولة القوية التي يشهدها النظام المصرفي السعودي.
وكان اقتصاديو ذراع الأبحاث في "بلومبيرج" المعروفة بـ"بلومبيرج إنتلجنس"، من أوائل جهات الأبحاث العالمية التي توقعت حدوث طفرة قصيرة الأجل من الائتمان المصرفي تزامنا مع اكتتاب "أرامكو"، إلا أنهم عادوا وشددوا على أن نمو الائتمان المصرفي سيكون "بمقدار أضخم" أي مقارنة بما شهدته عمليات الاستدانة القصيرة الأجل مع الاكتتابات الأخرى.
من ناحية أخرى، أظهر رصد "الاقتصادية"، تزامن نمو فئة القروض القصيرة الأجل مع الاكتتابات التي تشهدها السوق السعودية خلال عشرة أعوام.
واستند تحليل وحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية" إلى بيانات "بلومبيرج" التاريخية التي كانت تقيس ردة فعل كل من الاستدانة القصيرة الأجل، وكذلك إجمالي الائتمان المقدم للقطاعين الخاص والعام وطريقة تفاعل هذين المؤشرين مع بعض الاكتتابات التي تمت ما بين 2004 و2014.
نمو ائتماني مؤقت
على سبيل المثال، وصلت نسبة نمو "القروض القصيرة الأجل" خلال اكتتاب موبايلي إلى 17.8 في المائة وذلك عند مقارنة فترة الاكتتاب (أي شهر أكتوبر 2004) ببيانات الشهر السابق له سبتمبر، إلا أنه بنهاية نوفمبر انخفضت نسبة نمو القروض القصيرة الأجل إلى 8.3 في المائة، وذلك بعد تسديد تلك "القروض القصيرة الأجل" من المقترضين للجهات المالية، التي منحتهم هذا التمويل.
وتكرر الأمر نفسه مع اكتتاب البنك الأهلي في أكتوبر 2014 عندما ارتفعت نسبة التمويل القصير الأجل 6 في المائة خلال أكتوبر مقارنة بالشهر السابق له، إلا أنه وبنهاية نوفمبر انخفضت نسبة نمو القروض القصيرة الأجل إلى 4.3 في المائة، وذلك بعد تسديد تلك القروض القصيرة الأجل من المقترضين.
وكان اللافت أن عام 2008 شهدت طلبا كبيرا على القروض القصيرة الأجل لفترة مؤقتة، وذلك بسبب إغلاق 13 اكتتابا وطلبات زيادة رأس المال، وهذا ما فسر الطلب المتزايد (ولو لفترة مؤقتة) على القروض القصيرة الأجل، وذلك بسبب كون ذلك العام بلغت فيه القيمة الإجمالية للاكتتابات 36.4 مليار ريال وهي الأعلى على الإطلاق ما بين الفترة من 2007 و2016.
الخدمات المصرفية
ونشرت الاقتصادية تحليلا لها في 1 ديسمبر، قاست به مدى انعكاس تبعات أضخم الاكتتابات العالمية على السوق السعودية وكيف أن اكتتاب "أرامكو" جعل من القطاع المصرفي أبرز الرابحين من هذا الاكتتاب، وذلك بعد أن كشف الرصد تفعيل ما لا يقل عن 11 خدمة مصرفية واستثمارية لمصلحة الاكتتاب وما بعده.
وأظهر الرصد مساهمة سبع خدمات مصرفية توصف بالرئيسة، في تعزيز عوائد القطاع البنكي السعودي في الربع الرابع 2019، مع طرح "أرامكو". وتلك الخدمات هي القروض المعززة بضمان أسهم "أرامكو" أو ودائع العميل والتمويل بالهامش، وخدمات الوساطة بعد إدراج السهم وعوائد الودائع الليلية لمبالغ الاكتتاب وخدمات الصرافة الاستثمارية المتعلقة بالاكتتاب (الاستشارة المالية، التعهد بتغطية الطرح، إدارة الاكتتاب).
في حين كشف الرصد وجود خدمات ثانوية ستسهم بشكل أقل في عوائد البنوك للربع الرابع، وهي: رسوم تحويل العملات الأجنبية إلى الريال السعودي، ورسوم الحوالات القادمة من دمج ودائع العملاء بوديعة واحدة، ورسوم خدمة "سحب النقد" من بطاقات الائتمان للمشاركة في الاكتتاب والأعمال المصرفية الأخرى القادمة من جذب عملاء جدد يكتتبون لأول مرة.
حصة الأسد للبنوك السعودية
ومن المنتظر أن تكون البنوك السعودية قد هيمنت على حصة الأسد من رسوم الاكتتاب المحلي لأسهم "أرامكو"، بحسب ما اتفق عليه عديد من المحللين.
وكشف رصد الصحيفة أن القطاع المصرفي سيكون من أكثر المستفيدين من اكتتاب جوهر التاج السعودي، وذلك بعد استحواذ 13 بنكا سعوديا وأذرعها من الصرافة الاستثمارية مجتمعة على 45.8 في المائة من إجمالي سلسلة الأدوار المتعلقة بالطرح، والتي تم تقسيمها إلى أربع مراحل بين بنوك المملكة ونظيرتها من البنوك الدولية والإقليمية.
وبحسب نشرة الإعلان الموجزة للطرح، تم تقسيم مهام الطرح إلى أربعة وفقا للتسلسل الهرمي وهي (الاستشارة المالية- التعهد بالتغطية الطرح- إدارة الاكتتاب- والجهات المستلمة)، بحيث تنطوي كل مرحلة على مهمة معينة، فمثلا متعهدو التغطية يتولون مهمة التأكد من أن الاكتتاب سيتم تغطيته بالكامل.
ويتضح من إعلان النشرة الترويجية للطرح وصول إجمالي تعداد المؤسسات المالية، التي أنيط بها دور معين بالطرح إلى 48 مصرفا (من بينها 22 مؤسسة سعودية)، وذلك بعد أن أخذ الرصد في عين الاعتبار احتساب إعداد المصارف، التي تكررت أسمائها عدة مرات خلال مراحل الطرح الأربعة التي تتطلب كل مرحلة منها بالتسلسل الهرمي خدمة معينة تختلف عن سابقتها.
وتم توكيل بعض المصارف السعودية والدولية للعب أدوار عدة سواء من البنك التجاري نفسه أو ذراعه الاستثمارية، وذلك خلال الأدوار الأربعة لمراحل الطرح، التي شهدت تكرار الطلب على خدمات بعض المصارف السعودية مقارنة بالدولية.
الخدمات المصرفية الرئيسة
وقدمت معظم المصارف السعودية خدمات التمويل للأفراد والشركات لمن أراد الاستعانة بتلك المنتجات المصرفية مع اكتتاب "أرامكو".
ويختلف منتج القروض المعززة بضمان أسهم "أرامكو" أو ودائع العميل (المعروفة بين المصرفيين بـ collateralized loans) عن منتج التمويل بالهامش margin lending.
ويكون التمويل بالهامش من الجهات المالية إلى المستثمرين خلال الاكتتاب. فيما تتفاوت شروط التمويل والإقراض للعميل بين بنك وآخر، فبعض عمليات التمويل الممنوحة للعميل تكون بدون فائدة أو هامش ربح وأخرى تكون عكس ذلك.
على الجانب الآخر، استفادت البنوك السعودية من رسوم المساهمة ببناء دفتر الأوامر الخاصة بالاكتتاب، ولا سيما الخاصة بالأفراد، في حين استفادت أذرع البنوك السعودية، التي تنشط بأنشطة الوساطة في سوق الأسهم السعودية من دخول مستثمرين جدد لأول مرة في السوق السعودية إضافة للمستثمرين القدامى الذين نشطت حركتهم على السهم الجديد.
وأخيرا استفادت البنوك السعودية من مبالغ الاكتتاب عبر ما قد تجنيه من عوائد الودائع الليلية overnight deposit، التي تكون في العادة ضئيلة.
الخدمات المصرفية الثانوية
وتتفاوت الخدمات المصرفية الثانوية، التي من المنتظر أنها عززت عوائد القطاع البنكي، فهناك رسوم تحويل العملات الاجنبية (القادمة من المستثمر) إلى الريال السعودي من أجل المشاركة في الاكتتاب المقوم بالريال، إذ يتعين على كل مستثمر أجنبي فتح حساب سار للأوراق المالية باسمه من خلال أمين الحفظ الدولي، وكذلك فتح حساب تداول لدى شركة وساطة محلية لتمكين التداول.
وهناك كذلك رسوم الحوالات القادمة بين المصارف من دمج ودائع العملاء بوديعة واحدة من أجل الاكتتاب، حيث لن يتم قبول طلبات الاكتتاب المتكررة، في حين قدمت بعض البنوك للأفراد خدمة الحصول على مبلغ نقدي من البطاقة الائتمانية من أجل الاكتتاب في "أرامكو السعودية" وسداد القرض خلال 12 شهرا.
التمويل بالهامش
وفي أوائل 2016، أصدرت هيئة السوق المالية نشرة توعوية للتعريف بصفقات الهامش "التمويل بالهامش"، المنصوص عليها في المادة 45 من لائحة الأشخاص المرخص لهم، التي تحدد شروط التمويل وآلياته والتزامات الطرفين (الشخص المرخص له والمستثمر). وجاءت تلك النشرة من أجل نشر الثقافة، وسعيا منها إلى تعريف المتعاملين في السوق المالية السعودية بصفقات هامش التغطية.
وتتضمن النشرة عدة جوانب من بينها التعريف بصفقات الهامش، وأسباب طلبها من المستثمرين، والجهات التي تقوم بتقديم نشاط الصفقات بهامش التغطية، والمستجدات التنظيمية والرقابية وأهداف الهيئة من تنظيم الصفقات بهامش التغطية.
وتهدف الهيئة من تنظيم الصفقات بهامش التغطية إلى تطوير السوق المالية وتنظيمها، والعمل على تنمية وتطوير الإجراءات الكفيلة بالحد من المخاطر المرتبطة بمعاملات الأوراق المالية، إضافة إلى تنظيم ومراقبة أعمال ونشاطات الجهات الخاضعة لرقابة الهيئة وإشرافها مع السعي إلى تحقيق العدالة والكفاية والشفافية في تعاملات الأوراق المالية.
وتعرف الصفقات بهامش التغطية في قائمة المصطلحات المستخدمة في لوائح الهيئة وقواعدها، بأنها صفقة يقرض فيها الشخص المرخص له (المؤسسة المالية المرخصة من الهيئة) العميل جزءا من قيمتها، أي أنه في حالة التمويل بالهامش يقترض المستثمر جزءا من تكلفة شراء الأسهم من الشخص المرخص له، حيث يمنح الشخص المرخص له العميل قوة شرائية أكبر بناء على الهامش الأولي المقدم من العميل، سواء كان أموالا أو أسهما في محفظة العميل.
* وحدة التقارير الاقتصادية