default Author

مستقبل التمويل والنمو الآسيوي «3 من 3»

|


في عديد من النظم المالية الآسيوية الآن، فإن الهوامش بين أسعار الفائدة على الإقراض والودائع كبيرة نسبيا، ما يعني أن المصارف يمكن أن تحقق أرباحا طيبة بالتركيز على نماذج الأعمال التقليدية فقط. لكن بعد أن تنتهي ثمار الهوامش الكبيرة السهلة للإقراض من المستهلكين الجدد في السوق أو من خطوط الأعمال الجديدة، سيكون على المصارف أن تبحث أبعد من ذلك. وفي بعض الاقتصادات، مثل اليابان، التي بدأت فيها هذه العملية بالفعل، تبحث المصارف عن فرص استثمار مربحة في الخارج. وبعد أن تؤدي زيادة الكفاءة إلى خفض هوامش أسعار الفائدة في آسيا الصاعدة، يمكن أن تنتقل المصارف إلى مصادر جديدة للدخل، مثل إدارة النقود وتأمين قروض المستهلكين، ويمكن أن ترتفع آفاق الإقراض بين المصارف.
ولن يكون هذا التعقيد على الصعيد المحلي فقط. وسينتهي الأمر بأن تنتقل على الأقل بعض مدخرات الاقتصادات الأسن "ديموغرافيا" والأكثر ثراء إلى البلدان الآسيوية الأصغر سنا "ديموغرافيا" والأكثر فقرا نتيجة الإقراض المصرفي عبر الحدود، والترابط المتزايد بين أسواق الأسهم والسندات، والاقتراض عبر الحدود من جانب الشركات. وستولد القنوات الثلاث كلها نظما مالية أكثر تعقيدا نظرا للصعوبات التي ستواجهها المصارف بسبب التعرض لمخاطر خارجية أكبر، ومطالبة المستثمرين في الأسهم والسندات.
بتحوطات متزايدة التعقيد إزاء مخاطر الائتمان وسعر الصرف، وسعي الشركات إلى تحييد تعرضها الذاتي لمخاطر التغيرات في أسعار الصرف وأسعار الفائدة. وبالتالي، ستؤدي عملية التكامل الإقليمي الأكبر في حد ذاتها إلى تقديم المصارف الآسيوية لعدد أكبر من الخدمات المتزايدة التعقيد.
وهناك مثال على هذه التغييرات بالفعل يتمثل في أسواق السندات المتعاظمة التطور في آسيا. وعلى الرغم من أن عديدا من اقتصادات الأسواق الصاعدة الآسيوية حسنت حجم أسواق السندات والسيولة في الأعوام الأخيرة، إلا أنه لا تزال جهات الإصدار منخفضة المخاطر مثل الحكومات هي التي تهيمن على هذه الأسواق. ومن شأن تطوير سوق للمقترضين أكثر قدرة على تحمل المخاطر "مثل ما يطلق عليها اسم شريحة العائدات المرتفعة"، مثلما فعلت بلدان أخرى خاصة الولايات المتحدة، أن تقدم كثيرا لدعم هدفين من الأهداف المالية لآسيا. حيث سيؤدي ذلك إلى زيادة العائدات لصناديق المعاشات والمدخرين للتقاعد ما يساعد على حل المشكلات المتصلة بشيخوخة السكان، وسيسمح بتوجيه مزيد من المدخرات إلى البنية التحتية، ما يؤدي إلى التغلب على الضعف الذي تعانيه آسيا في هذا المجال.
لكن هذا يتطلب أدوات جديدة. ويتمثل أحد الخيارات في أن توفر المصارف أو شركات التأمين حماية عن طريق إصدار مبادلات مخاطر الائتمان لخفض المخاطر التي تواجه المستثمرين في الأسواق الجديدة للسندات. وقد يرغب المستثمرون الأجانب أيضا فيما يطلق عليها اسم المبادلات البسيطة لأسعار الفائدة أو أسعار الصرف، لكنهم يمكن أن يحاولوا تخفيض تكاليفهم عن طريق التحوط بمزيد من الأدوات الأكثر تعقيدا. ويمكن أن توفر هذه الخدمات مصارف أجنبية، لكن سيكون لدى المصارف الآسيوية الخبرة والحضور في الأسواق الرئيسة للقيام باستثماراتهم الخاصة في هذه المجالات الجديدة عالية الأرباح.
وستجعل هذه الأدوات الجديدة والتعقيدات الجديدة في النظم المالية الآسيوية المؤسسات المالية نفسها أكبر حجما وأكثر تعقيدا. وفي حين أن البلدان المتقدمة في آسيا هي موطن لثلاث مؤسسات مالية مؤثرة في الصعيد العالمي: ميتسوبيشي يو إف جي وميهوزو وسوميتومو في اليابان، ففي بقية آسيا، لا توجد مثل هذه المؤسسات إلا في الصين فقط، وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وذلك من خلال بنك الصين والبنك الصناعي والتجاري في الصين. لكن من المرجح أن تنمو المؤسسات المالية الآسيوية بسرعة من حيث الحجم والتعقيد مع انتقال الشركات الآسيوية إلى الخارج، ومع زيادة ترابط النظم المالية الآسيوية ببقية العالم، ومع زيادة عدد المستثمرين المحليين وزيادة تطورهم. ويمكن أن تستضيف الأسواق المالية في الهند وبلدان رابطة أمم جنوب شرق آسيا في وقت قريب مؤسسات كبيرة على الصعيد العالمي أيضا، ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى إثارة المخاوف نفسها التي نشأت في أوروبا وأمريكا الشمالية بشأن أن المصارف" أكبر من أن تفشل."
وحتى إذا تطورت النظم المالية الآسيوية بشكل مختلف ولا تثير هذه المخاوف، فإن الأزمة الجارية في منطقة اليورو إضافة إلى التحولات العالمية في التنظيم الإداري أديا بالفعل إلى عديد من التغيرات المالية.
ومن هذه المجالات هو تمويل التجارة فقد انسحبت المصارف الأوروبية من آسيا نتيجة التغيرات التنظيمية والاقتصادية التي دفعتها إلى التركيز على الأسواق الأساسية. وفي مناطق مثل أوروبا الوسطى والشرق الأوسط، أدت هذه التغيرات إلى انخفاض في الائتمان التجاري، في حين أنه في آسيا، قامت المصارف الإقليمية خاصة الأسترالية واليابانية بسد هذا الفراغ. وفي البداية، بدا أن هذا الانخفاض مقتصر على التمويل التجاري قصير الأجل منخفض الهامش. لكن مع فرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قيودا أشد على المصارف في ولاياتها ومحاولة المصارف الأوروبية دعم ميزانياتها العمومية المحلية، تقلصت أيضا الخدمات الأكثر تكلفة، مثل تأجير الطائرات والتمويل التجاري طويل الأجل المعقد، وتحاول المصارف الآسيوية تحمل آثار فترة الركود. غير أنه مع هذا الابتكار تطرح الحاجة إلى التنظيم والإشراف نفسها.

إنشرها