تريليونات المجرمين تجابه بمنع غسلها «2 من 2»
من الممكن لفرقة العمل للإجراءات المالية المعنية بغسل الأموال FATF، وهي جهة عالمية معنية بوضع المعايير، أن توجه انتقادات للبلدان ذات النظم الضعيفة في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وبمجرد أن يبدأ اعتبار أي بلد معرضا للتدفقات المالية غير المشروعة، فقد يلحق بسمعة بنوكه ضرر يمتد إلى أجل طويل، ويواجه مطالب باهظة التكلفة من جانب شركائه التجاريين الدوليين بتقديم وثائق إضافية، وقد يفقد علاقات المراسلة المصرفية. وقد يتسبب هذا في تهميش الاقتصادات الهشة بالفعل، وتهديد قنوات تحويل الأموال من مواطنيها العاملين في الخارج وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، ودفع التدفقات المالية إلى القنوات غير الرسمية. ومن ثم، فإن تجاهل مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب أو تأخير الإصلاحات ذات الصلة لم يعد خيارا ممكنا.
وحمدا لله أن هذه الرسالة بدأت تجد الصدى المرجو، فتحت قيادة فرقة العمل للإجراءات المالية المعنية بغسل الأموال، وبدعم من صندوق النقد الدولي والأمم المتحدة والبنك الدولي وأطراف معنية أخرى، أصبحت كل البلدان تقريبا تجرم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، كما أنشأت جميعها إطارا قانونيا لتجميد أصول الإرهابيين.
لكن هذا العمل لا يزال بعيدا عن الاكتمال، فليس هناك أي افتقار لفضائح غسل الأموال في عناوين الأخبار، سواء كان السبب ثغرات قانونية ومؤسسية باقية أو الابتكار من جانب المجرمين "أو كليهما". ومن أمثلة ذلك أن المحققين يبحثون حاليا في إمكانية أن يكون الجانب الأكبر من مدفوعات قدرها 233 مليار دولار قد تم غسلها من خلال فرع "دانسك بنك" في إستونيا خلال الفترة من 2007 إلى 2010.
وزاد تعقد الصورة بسبب التكنولوجيا المالية سريعة التطور، فهناك استخدامات مشروعة ومنتجة يحققها تحويل الأموال بالأجهزة المحمولة، وتكنولوجيا دفاتر الحسابات الرقمية الموزعة، والعملات الافتراضية، لكن استخدامها ممكن أيضا في إخفاء النشاط الإجرامي أو تيسير تنفيذه. وبعبارة أخرى، فإن مدفوعات المستهلكين التي تتم دون مقابل تقريبا ومدفوعات الفدية التي يكون تتبعها شبه مستحيل، هما وجهان لعملة "بيتكوين" واحدة.
فكيف ينبغي للبلدان إذن أن تحدد أولويات مواجهة هذا التحدي المتطور والمعولم؟
أولا، ينبغي أن تنتبه لدعوة فرقة العمل للإجراءات المالية المعنية بغسل الأموال حتى تفهم التهديدات النابعة من تغير التكنولوجيا وتتصدى لها، لكن مع تجنب خنق الابتكار والشمول الماليين. وينبغي للهدف أن يكون زيادة الشفافية - المعرفة لمن يقف خلف المعاملات المالية وأين تتم ولأي غرض - دون زيادة تكاليف المعاملة بصورة مفرطة أو التسبب في دفع التدفقات المالية إلى القنوات غير الرسمية.
ثانيا، ينبغي للحواجز القانونية والعملية أن تزال أمام التعاون الدولي، ذلك أن رصد أنشطة غسل الأموال وتمويل الإرهاب تتطلب حماية المعلومات المالية وتبادلها في الوقت نفسه، وردع المجرمين يتطلب اقتفاء أثر الأموال القذرة أو الأموال الموجهة لأغراض شائنة، أينما ذهبت.
وأخيرا، ينبغي لها أن تواصل تعزيز فاعلية جهودها لتخفيف ما يتم رصده من مخاطر. وسواء كانت القوانين الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب مكتملة الأركان أم لا، فإن التنفيذ المتسق "والمستمر" يكتسب أهمية بالغة في تحقيق نتائج دائمة.
ونظرا إلى الصلاحيات المنوطة بصندوق النقد الدولي في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والنزاهة المالية، أنشأ برنامجا موسعا لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب يتضمن مشاركة نشطة في الجهود الدولية لزيادة الوعي بالتهديد القائم وتوليد استجابات فاعلة إزائه، مع تقديم المشورة والدراية الفنية لعدد من بلدانه الأعضاء تجاوز الـ100 - ويواصل الزيادة.
هناك أمثلة لهذه الجهود. على سبيل المثال لا الحصر، عملنا مع السلطات في أوكرانيا لمنع استغلال البنوك من جانب المسؤولين الفاسدين. ونتيجة ذلك، تتزايد العقوبات التي تطبقها الأجهزة التنظيمية على الانتهاكات المتعلقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، كما يتزايد الإبلاغ عن المعاملات المشبوهة، ما يؤدي إلى عدد كبير من التحقيقات والملاحقات القانونية لممارسات الفساد التي يرتكبها كبار المسؤولين العموميين.
في ليبيا، ساعدنا السلطات على وضع قانون جديد لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب يجرم تمويل الإرهاب ويرسي الأساس القانوني لفرض عقوبات على الإرهابيين المعروفين. وفي الكاريبي، حيث يمثل سحب علاقات المراسلة المصرفية مثارا للقلق، نظمنا ملتقى مع البنوك الدولية ونظرائها المحلية لتشجيع التعاون الثنائي في معالجة ثغرات المعلومات وتلبية المتطلبات التي تتوقعها الأجهزة التنظيمية، حتى إن بنكا عالميا كان قد خرج من المنطقة قرر استعادة صلاته مع بعض البنوك المحلية.
إن صندوق النقد الدولي ملتزم بمساعدة أعضائه على تحديد مغاسل الأموال القذرة التي تستخدم حاليا - وإغلاقها. فالمخاطر لم تكن قط أكبر مما هي الآن.