لماذا تشكل صادرات الخدمات فرصة لخطط التنويع الاقتصادي؟

كان للثورة الصناعية الأولى الفضل فيما شهدته تجارة السلع من تطور، فاستبدال العمل اليدوي بالآلات أدى إلى فائض إنتاج قادر على تلبية احتياجات المستهلكين من السلع المصنعة.
وبالانتقال إلى نهايات القرن العشرين مع انطلاق ثورة الإنترنت وارتفاع نجم قطاع التكنولوجيا، إضافة إلى انتهاء القطبية السياسية وتسارع الخطوات تجاه العولمة، فقد كان ذلك بمنزلة البذرة لنمو تجارة لا تعتمد على سلع ملموسة، وإنما خدمات ذات أهمية لديمومة الاقتصاد العالمي.
وفي وقت تعيش فيه تجارة السلع أسوأ فتراتها متأثرة بالنزعة الحمائية والانهيار السريع في العولمة الاقتصادية، فإن تجارة الخدمات تعيش أفضل أيامها، ففي عام سجلت صادرات الخدمات العالمية نموًا بنسبة 8% لتصل إلى 7.9 تريليون دولار، مقارنة بـ6.3 تريليون دولار في 2021.
الطفرة في تجارة الخدمات استفادت من إزالة إجراءات الإغلاق للسيطرة على وباء كورونا، ما عزز من خدمات السفر والأعمال، التحول السريع نحو الاقتصاد الرقمي وخدمات التكنولوجيا، جعل الطلب على خدمات مثل البرمجة والاتصالات ينتقل لمستويات متقدمة.
باعتبارها القوة الاقتصادية ومالكة قطاع التكنولوجيا الأقوى في العالم، والوجهة الأساسية لحركة السفر والاستثمار، استحوذت الولايات المتحدة على 13% من حجم صادرات الخدمات العالمية في 2023 أو ما يعادل 1027 مليار دولار، المركز الثاني ذهب لحليفتها التاريخية بريطانيا التي وصلت صادرات خدماتها في العام نفسه إلى 584 مليار دولار.
لكن هناك من يراقب الوضع ويحقق نموا سريعا، الحديث هنا عن القوة الآسيوية من الصين الساعية لتطبيق تجربتها في تجارة السلع على الخدمات، إلى الهند ذات المعرفة والخبرة في تقديم الخدمات التكنولوجيا كالبرمجة. تعتمد الدولتان على القوة العاملة المدربة، وقدرات البحث والتطوير المتطورة، والبنية التحتية المتقدمة لتعزيز صادرات الخدمات.
في منطقة الخليج حيث الجهود والرؤى الاقتصادية للتنويع وتقليص الاعتماد على النفط، تبرز قوتين الأولى الإمارات بحجم صادرات وصل إلى 166 مليار دولار في 2023، والسعودية بنحو 49 مليار دولار في العام نفسه. تبرز السياحة والنقل والتكنولوجيا وخدمات الأعمال كقطاعات رئيسية لقيادة الخدمات. وتعتمد ركائزها على قوة بشرية نالت تعليم متقدم، وبنية تحتية مصنفة من الأفضل عالميًا، وبيئة أعمال تتطور باستمرار لتجذب الاستثمارات والمواهب الخارجية.
وبرغم التطور في السعودية فإن ميزان قطاع الخدمات ما زال يعاني عجزا واضحا، حيث وصل العجز في 2023 إلى 47 مليار دولار، مع وصول الواردات إلى 96 مليار دولار، وهو ما يرهق ميزان المدفوعات ويلقي بأعباء إضافية على الميزانية.
لدى السعودية المقومات التي تجعلها مؤديا رئيسيا في صادرات الخدمات العالمية، كوسيط في حركة النقل والتجارة العالمية، ووجهة مفضلة للزائرين والباحثين عن مناطق للاستجمام، وكمزود للخدمات الرقمية كالبرمجة وتصميم الإلكترونيات ومراكز الاتصال.
رحلة الصعود تحتاج إلى سياسات مبتكرة تجذب الكفاءات والمواهب وتعزز الاستفادة من البنية التحتية، وترفع من مهارات العنصر البشري المحلي. أهمية تبني حوافز جديدة تتمتع بالفاعلية في جذب الشركات الأجنبية الكبرى. يفضي كل ذلك في النهاية إلى إنشاء كيانات محلية مؤهلة للمنافسة في قطاع ذي أثر اقتصادي كبير سواء للتوظيف أو خطط التنويع.
في السفر تحتاج السعودية إلى التركيز على التحول إلى وجهة منافسة للترفيه والتسوق والاستجمام مع أهمية إظهار الإصلاحات على صورة السعودية الدولية. وهو ما يحتاجه أيضا قطاع الاستثمار والأعمال، فمملكة الرؤية تختلف عن ما قبلها وتفتح ذراعيها للمستثمرين ورائدي الأعمال والشركات الناشئة من جميع أنحاء العالم.
في الختام ففي ظل عالم يتجه نحو الرقمنة وتؤدي فيه الخدمات دورا رئيسيا. ومع امتلاك السعودية جميع المقومات لاحتلال مرتبة متقدمة، موقعها الجغرافي، قوتها البشرية الشابة والمدربة، إمكاناتها المادية، الرؤية الطموحة كلها عوامل للتمكين بإمكانها تحقيق الطفرة المنتظرة، التي تستبدل فيها صادرات الخدمات صادرات الطاقة، وتحل فيها البيانات والتكنولوجيا محل النفط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي