تريليونات المجرمين .. تجابه بمنع غسلها «1 من 2»
آل كابوني تعرض لمشكلة: فقد كان بحاجة إلى وسيلة لإخفاء المبالغ النقدية الضخمة التي حققتها إمبراطوريته الإجرامية وراء واجهة من الدخل المشروع، وكان الحل الذي توصل إليه هو شراء مغاسل أوتوماتيكية نقدا، وخلط الأموال القذرة بالنظيفة، ثم ادعاء أن غسل قمصان وجوارب الأمريكيين العاديين، وليس المقامرة وتهريب المواد الكحولية، هو مصدر ثرائه.
وبعد قرابة مائة عام، لا يزال المفهوم الأساسي لغسل الأموال دون تغيير، لكنه شهد زيادة كبيرة من حيث نطاق التغطية ودرجة التعقد. ولو كان كابوني لا يزال على قيد الحياة لكان عليه تشغيل مغاسله ومناشفه طوال اليوم لمواكبة مستوى الطلب، فقد قدرت الولايات المتحدة أخيرا أن عائدات جرائم غسل الأموال السنوية تراوح بين 2 في المائة و5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي على مستوى العالم، أو من 1.6 إلى أربعة تريليونات دولار سنويا.
وغسل الأموال هو ما يمكن المجرمين من جني مكاسب جرائمهم التي من بينها الفساد والتهرب الضريبي والسرقة والاتجار في المخدرات وتهريب المهاجرين. وكثير من هذه الجرائم يشكل تهديدا مباشرا للاستقرار الاقتصادي. فبسبب الفساد والتهرب الضريبي، يصبح من الصعب على الحكومات تحقيق نمو احتوائي وقابل للاستمرار نظرا إلى تقلص الموارد المتاحة للأغراض المنتجة، مثل بناء الطرق والمدارس والمستشفيات، ويؤدي النشاط الإجرامي إلى إضعاف سلطة الدولة وتقويض سيادة القانون مع تضييق الخناق على النشاط الاقتصادي المشروع. وقد يوجِد غسل الأموال فقاعات أصول في أسواق مثل السوق العقارية، وهو أداة شائعة الاستخدام في هذه الأنشطة، وهناك مثال قريب يوضح هذه النقطة. فقد ساعد وزير غيني شركة أجنبية في الحصول على عقود امتياز مهمة للتعدين مقابل رِشا بلغت قيمتها 8.5 مليون دولار أمريكي. وقد زور الوزير في إقراره بشأن هذه الأموال مسجلا إياها كدخل حققه من أعمال استشارية قام بها ومن عمليات لأراض خاصة، ثم حول الأموال إلى الولايات المتحدة، حيث اشترى عقارا فاخرا في نيويورك. لكن سعيه لتحويل المكاسب غير المشروعة إلى أصول تبدو مشروعة باء بالفشل في نهاية المطاف، حيث تمت إدانته العام الماضي بتهمة غسل الأموال.
وبصورة ما، تعد المساكن باهظة الثمن المقابل الحديث لمجموعة المغاسل الأوتوماتيكية التي كان يستخدمها أعضاء العصابة في الماضي. وقد أشارت السلطات الأمريكية في نشرة عامة أصدرتها العام الماضي إلى أن أكثر من 30 في المائة من عمليات شراء العقارات عالية القيمة التي تسدد نقدا في مدينة نيويورك وعدة مناطق حضرية غيرها، يقوم بها أفراد يشتبه بالفعل في تورطهم في صفقات مريبة. كذلك خلصت حكومات أستراليا والنمسا وكندا وبلدان أخرى إلى أن أسواقها العقارية يمكن استخدامها أيضا لاستثمار وغسل الأموال القذرة.
بل إن الأكثر إثارة للقلق في هذا الخصوص هو أن الأموال القذرة ــ إلى جانب النظيفة ــ يمكن أن تكون مصدرا لتمويل الإرهاب ونشر أسلحة الدمار الشامل. فالجماعات الإرهابية تحتاج إلى أموال، بل كثير من الأموال، لتعويض مقاتليها وأسرهم، وشراء الأسلحة والغذاء والوقود، ورشوة المسؤولين المنحرفين. وبالمثل، لا يأتي انتشار الأسلحة بثمن رخيص. فعلى سبيل المثال، تشير التقارير إلى أن كوريا الشمالية خصصت نسبة كبيرة من مواردها الضئيلة لتطوير الأسلحة النووية... يتبع.