النظرة المشوهة للمال نابعة من الطفولة «1من 2»
ينحدر الثري باولو من خلفية متواضعة جدا، وأصبح فاحش الثراء نتيجة عمله الدؤوب وبعض الحظ. ولكن مع الأسف، تغير باولو نتيجة ثرائه نحو الأسوأ، حيث ولد المال بداخله حسا بالفوقية وأصبح يسيء معاملة الآخرين، ولم يكن هذا من شيمه قبل اغتنائه. وبدأ باولو يعتقد أن ثراءه يمنحه الحق أن يفعل ما يشاء، وبات يعامل الآخرين بأسلوب غير أخلاقي.
فبدلا من تقييم الناس بناء على جوهرهم، صنف الناس تبعا لحجم ثرواتهم، وعد كل الفقراء والمعدومين فاشلين. وبدأ باولو نتيجة معاييره الأخلاقية غير المتزنة، الاحتيال على الآخرين دون رحمة بهدف تنمية ثرواته، التي كانت ضخمة أصلا. وبشكل عام، كلما زادت ثروة باولو، رافقها انحدار في حياته الاجتماعية، وأسهمت قلة تعاطفه مع الآخرين في انعزاله الاجتماعي.
ومع مرور الوقت، تحولت مساعي باولو لجني المال إلى نوع من الإدمان، فكلما جنى مزيدا من المال، ازداد إحساسه بالرضا عن نفسه، كأنما كانت تمنحه نشوة مؤقتة من خلال ارتفاع مستوى هرمون الدوبامين، المسؤول عن الشعور بالسعادة وتكافئنا به أجسامنا عندما نقوم بأشياء تساعدنا على النجاة.
وكسائر أنواع الإدمان الأخرى، انقلبت الموازين ضد باولو في النهاية، فسعيه الدؤوب لجمع الثروات والممتلكات المادية، جعله غير سعيد في حياته. ولم يؤد المال إلى طلاقه من زوجته فحسب، بل عمقت الفجوة بينه وبين أولاده ليغدو شخصا غريبا بالنسبة لهم. ومع مرور السنين، وجد باولو نفسه وحيدا في قصره الفخم، محاطا بخدمه وحشمه فقط. باختصار، هذا هي نتيجة الجشع والأنانية.
جاءت مقولة "النقود تجعل العالم يدور" من الفيلم الغنائي الشهير "كبريه"، حيث استهزأ وسخر مغنو الفيلم من الأوهام المتمثلة بأن كل شيء ممكن بالمال. وفي الحقيقة، لدى معظمنا أفكار غير منطقية حول قدرة المال على تغيير حياتنا بشكل سحري. وبالتأكيد، سيفتح المال أمامنا الأبواب لخيارات إضافية لم تكن متاحة أمامنا من ذي قبل. كما أن تعددية استخدامات المال تجعله دافعا قويا للسلوك البشري. ومن الناحية الرمزية، كان اختراع المال أمرا مذهلا بحق، نظرا لقدرته على تسخير الطاقات البشرية وتحويلها إلى سلعة قابلة للتخزين ويمكن تداولها للحصول على البضائع أو الخدمات. كما أن المال بات رمزا للرخاء الاقتصادي والمكانة والسلطة والجاه والقوة والحب والسعادة... إلخ، ويراه كثيرون كنقاط في لعبة اسمها الحياة، ويعدون الحياة عبارة عن سباق، يتمكن خلاله الفائزون من جمع أكبر قدر من المال. وعلى الرغم من أن قلة من الناس يعتقدون أن المال قادر على شراء السعادة، إلا أن الأغلبية العظمى يظنون أن المال سيجعلهم أكثر سعادة. ويناقش البعض أنه من الأفضل أن يكون المرء غنيا وتعيسا، على أن يكون سعيدا وفقيرا. ومن هذا المنظور، المال لا يشتري السعادة، ولكنه يجعل التعاسة محتملة أكثر. ويؤسفني أن أقول إنه غالبا ما تصاحب السعي لجني الأموال عواقب وخيمة، فعندما يكون جمع الثروات والأموال الشغل الشاغل للفرد، يسهم ذلك في إحداث كثير من الأضرار والمشكلات على المستوى الشخصي وفي علاقات المرء مع الآخرين، وتراوح المشاكل بين الشعور بالاكتئاب والاضطهاد والعجز والإسراف والقمار والعزلة، وتصل لغاية الانتحار أو القتل. وإضافة إلى النقاط الآنفة الذكر، قد يحول المال الإنسان المحترم إلى شخص بغيض. وكما قال الكاتب الإنجليزي الشاعر دي. إتش. لورنس "يسممك المال عندما تملكه، ويجوعك حين تفتقده"... يتبع.