دور المرأة في الاقتصاد «1من 3»
لمن تملكهم القلق إزاء عمق الانقسام السياسي والاقتصادي في الولايات المتحدة اليوم، تذكرهم كلوديا جولدين، أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد، بحقيقة بسيطة: لا جديد تحت الشمس.
وتقول جولدين في مقابلة مع مجلة التمويل والتنمية: "لقد نشأت انقسامات سياسية عميقة في الماضي، ولا سيما في الفترات التي اتسمت بمستوى مرتفع ومتزايد من عدم المساواة في توزيع الدخل والثروة". وتشير باعتزاز إلى ما تنبأ به القاضي ستيفن فيلد حين قال في سياق رفض المحكمة العليا لقانون ضريبة الدخل عام 1894 إن فرض ضريبة على الدخل سيكون بداية "حرب يشنها الفقراء على الأغنياء"، "جاء التعديل الـ16 في عام 1913 ليفسح الطريق أمام ضريبة الدخل التي تطبق اليوم".
وها هي المؤرخة الاقتصادية وخبيرة اقتصاديات العمل وقضايا الجنسين ذات الـ72 عاما تستخلص دروسا من الماضي لتفهم الحاضر بصورة أفضل. فعلى مدار حياتها المهنية التي تجاوزت أربعة عقود، درست جولدين الآثار الاقتصادية لتغير التكنولوجيا، وعدم المساواة، والتعليم، وتلوث المياه، والفساد. وهي مشهورة ببحوثها ورؤاها العميقة لدور المرأة في اقتصاد الولايات المتحدة، وأنها بلورت فهما متطورا ودقيقا لأسباب فجوة الأجور المعروفة بين الجنسين. وتتحدث جولدين إلى وسائل الإعلام بانتظام في "يوم تساوي الأجور" Equal Pay Day وهي مناسبة سنوية تقام لبيان الفترة المضافة إلى العام التي سيكون على المرأة الأمريكية أن تمارس فيها العمل حتى تحقق دخلا مساويا لما حققه الرجل في العام السابق. وتشير أبحاث جولدين، التي تغطي 200 عام من التاريخ الاقتصادي، إلى أن عدم المساواة في الأجور ليس نابعا من التمييز ضد المرأة بقدر ما يرجع إلى ارتفاع تكلفة المرونة في مكان العمل والجمع بين العمل والأسرة، كما توضح في تصريحاتها الإعلامية التي تبث على الهواء كل عام.
وكثيرا ما يشار إلى جولدين باعتبارها واحدة من أكثر عشر خبيرات اقتصاديات تأثيرا في العالم. فقد كانت رائدة في دراسة دور المرأة في الاقتصاد منذ 40 عاما، كما ألهمت أجيالا جديدة من الخبيرات الاقتصاديات، وساعدت على تعميم منظور الاقتصاد الجنساني. وحصلت جولدين على جائزة "إيزا" IZA في "اقتصاديات العمل" عام 2016 وجائزة "مينسر" Mincer Prize من جمعية خبراء اقتصاديات العمل في 2009 عن مجموع مساهماتها مدى الحياة. وقد شغلت منصب رئيس الجمعية الاقتصادية الأمريكية في الفترة 2013 ـ 2014 وكانت أول امرأة تمنح وظيفة ثابتة كأستاذ اقتصاد في جامعة هارفارد وجامعة بنسلفانيا.
وتتذكر جولدين المولودة عام 1946 في برونكس، أحد أحياء مدينة نيويورك، كيف كانت مولعة في مطلع حياتها بالبحث والاستكشاف الفكري، فأخذت تنهل من عجائب المتاحف الواقعة في مانهاتن حيث بدأ شغفها الأول بعلم الآثار ثم علم الجراثيم. والتحقت في البداية بجامعة كورنيل لدراسة علم الأحياء المجهري لكن اهتمامها تحول إلى العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية، خاصة التاريخ والاقتصاد، وهو ما أصبح مجال تخصصها الرئيس في دراستها الجامعية. وقد أكملت دراستها بعد ذلك لتحصل في عام 1972 على درجة الدكتوراه في التنظيم الصناعي واقتصاديات العمل من جامعة شيكاغو.
وتشرح جولدين سبب أهمية التاريخ لعلم الاقتصاد، مستشهدة بكتاب "السباق بين التعليم والتكنولوجيا" The Race between Education and Technology (2008) الذي اشتركت في تأليفه مع زميلها لورانس كاتس، أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد.
تقول جولدين: "بحثنا ما طرأ من تغيرات على حالة عدم المساواة في توزيع الدخل بعد ثمانينيات القرن الـ20 مقارنة بالفترة السابقة لها واستقصينا النظرية التي تقول إن عدم المساواة زاد بعد الثمانينيات بسبب التغير التكنولوجي المتحيز للمهارات"، وأضافت "التاريخ جعلنا نفهم أن التغير التكنولوجي المتحيز للمهارات ليس حدثا جديدا، بل هو موجود منذ وقت طويل للغاية، كما أتاح لنا أن نحدد القوى المؤثرة على المدى الأطول".
وتوصلت دراسة جولدين وكاتس إلى أن فجوة الدخل بين العاملين الأعلى تعليما والأقل تعليما كانت واسعة أيضا في 1915، ثم ضاقت حتى الخمسينيات، لتتسع من جديد في الثمانينيات. وبدراسة القرن بأكمله، رأى المؤلفان أن تغيرات العرض والطلب بالنسبة للعاملين الجامعيين هي السبب الأكبر وراء تقلب المقدار الإضافي في أجور أصحاب المستويات التعليمية الأعلى. وترجع هذه الارتفاعات والانخفاضات إلى السباق بين التعليم والتكنولوجيا حيث تسعى النظم التعليمية إلى مواكبة تغيرات الطلب على المهارات بسبب التطور التكنولوجي... يتبع.