التهافت على المواهب التكنولوجية «1من 3»
كان "دارين كيد" يتقاضى مبلغا سنويا من ستة أرقام نظير عمله في إدارة الدعم الفني بشركة شيفرون في أستراليا، ولم يعمل في الخارج من قبل ولم يكن لديه أي خطط لنقل أسرته الصغيرة من مسقط رأسهم مدينة بيرث الواقعة على الساحل الغربي لأستراليا.
وعلى الجانب الآخر من قارة أستراليا عبر بحر تسمان، كانت مدينة ويلينجتون في نيوزيلندا تبذل جهدا مضنيا لاستقطاب عدد كاف من العاملين في مجال التكنولوجيا ذوي المهارات المناسبة باعتبارها مركزا ناشئا للشركات المبتدئة. وعليه، توصل المسؤولون إلى خطة طموحة لجذب الأسر، مثل أسرة كيد، إلى هذه الدولة الجزرية، ألا وهي إحضار 100 من العاملين ذوي المهارات العالية وأسرهم بالطائرة إلى عاصمة البلاد لإجراء مقابلات شخصية للحصول على وظائف لدى شركات التكنولوجيا الرائدة في البلاد. وكان قد تقدم أكثر من 48 ألف شخص من 28 بلدا بطلبات لشغل الوظائف.
ولم يكن كيد في البداية متأكدا من العيش بعيدا عن مسقط رأسه بتسع ساعات بالطائرة، لكنه اكتشف مدينة نابضة بالحياة فيها عدد من الوظائف المشوقة في الشركات المبتدئة والحوسبة السحابية، وهي "فرصة أكثر إثارة بكثير من عديد من الشركات التي كنت أتطلع إلى العمل فيها في بيرث". انتقل كيد البالغ من العمر 32 عاما إلى Xero ويلينجتون في آب (أغسطس) للعمل مطورا لدى شركة زيرو المحدودة، وهي شركة برمجيات محاسبية سريعة النمو مقرها ويلينجتون. وكان الأجر مشابها لما كان يتقاضاه في أستراليا إذا ما أخذت فروق تكاليف المعيشة في الاعتبار، لكن الالتزام القوي الذي أبدته عاصمة نيوزيلندا لاحتضان العاملين في مجال التكنولوجيا ومساعدة أسرهم على الانتقال فضلا عن نوعية الحياة كان لهما أثر جاذب كبير.
وترى الشركات أن حظوظها وآفاقها المستقبلية مرتبطة بشكل متزايد بقدرتها على اجتذاب مجموعة محدودة من العاملين المؤهلين في مجال التكنولوجيا. ومن المتوقع أن يصبح هذا النقص أكثر حدة في السنوات القادمة مع استمرار توسع دور التكنولوجيا عبر الصناعات. وعلى الصعيد العالمي، كان من المتوقع أن ينمو الإنفاق على التكنولوجيا إلى 3.7 تريليون دولار في العام الماضي، بزيادة 6 في المائة عن عام 2017، وفقا لتقديرات شركة جارتنر وهي شركة أبحاث عالمية مقرها ستامفورد Gartner Inc في ولاية كونيتيكت.
وقد تجاوز عدد الوظائف في مجال التكنولوجيا والعلوم في الولايات المتحدة عدد العمالة المؤهلة بما يقارب ثلاثة ملايين في عام 2016، وفقا للبيانات الصادرة عن مؤسسة لاستشارات الموارد البشرية Randstad NV رانستاد إن ڤي في هولندا. وبحلول عام 2030، سيكون هناك نقصا عالميا قوامه يزيد على 85 مليون عامل في مجال التكنولوجيا، مما يمثل عائدات سنوية ضائعة قيمتها 8.5 تريليون دولار وفقا لمؤسسة كورن فيري Korn Ferry للاستشارات الإدارية ومقرها لوس أنجلوس.
ومن بين الاقتصادات التي من المتوقع أن تتعرض لأشد الأضرار البرازيل وإندونيسيا واليابان، التي قد تواجه كل منها نقصا يصل إلى 18 مليون عامل، وفقا لتوقعات مؤسسة كورن فيري. ويتوقع أن تشهد الولايات المتحدة وروسيا نقصا قوامه ستة ملايين عامل لكل منهما، في حين قد تواجه الصين عجزا قدره 12 مليونا.
ويقول آلان جوارينو، نائب رئيس مجلس إدارة بمؤسسة كورن فيري، "إنها مسألة عرض وطلب بشكل محض"، مضيفا "أن الشركات تدفع أكثر وتوظف أعدادا أكبر، ولكن لا يزال هناك نقص في العاملين في مجال التكنولوجيا ذوي المهارات العالية. فالتكنولوجيا هي الخيط الذي يتخلل كل جانب من جوانب العمل".
وتتزايد المخاطر الاقتصادية مع تغلغل التكنولوجيا في عدد متزايد من القطاعات. فقد ارتفعت حصة التكنولوجيا من إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة بأكثر من ستة أضعاف منذ عام 1980، وفقا لأرقام مؤسسة الخدمات المهنية برايس ووترهاوس كوبرز PwC وإن كان التوظيف في القطاع لم يشهد تزايدا كبيرا، ما يدل على ضخامة مكاسب الإنتاجية. ومع تباطؤ نمو الإنتاجية في جميع أنحاء العالم منذ الركود الكبير، ظل الطلب على العمالة الماهرة في مجال التكنولوجيا قويا، خاصة خارج الولايات المتحدة.
ويقول جوارينو إن هناك طلبا مرتفعا على علماء البيانات ومهندسي البرمجيات والمبرمجين وخبراء الحوسبة السحابية، ليس فقط في شركات البرمجيات وشركات التكنولوجيا القوية التقليدية مثل "آي بي إم" و"سيسكو" وإنما أيضا في شركات التجزئة والشركات المالية ما دفع بالشركات والبلديات إلى أن تصير عدوانية بشكل متزايد في أساليب توظيفها للعمالة الجديدة... يتبع.